كشفت صحيفة الجارديان البريطانية عن تسريب ضخم لبيانات واحد من أكبر البنوك الخاصة في العالم، بنك كريدى سويس السويسري، عن تفاصيل 30 ألف حساب بنكي برصيد 100 مليار فرنك سويسري، وهو مبلغ يساوي حوالي 80 مليار جنيه إسترليني وما يقارب 109.2 مليار دولار أمريكي؟
يوضح التسريب الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية في 20 فبراير (شباط) 2022 الإخفاق الكبير للبنك في بذل العناية الواجبة للتخلص من العملاء المشكوك فيهم، والأموال غير المشروعة – حسب صحيفة الجارديان – وجرى تسريب هذا الكم الهائل من البيانات المصرفية من قبل مجهول أبلغ عن تلك المخالفات إلى صحيفة Süddeutsche Zeitung الألمانية.
وقال المصدر – الذي لم تكشف عنه الصحيفة – في بيان نقلته الجارديان: «أعتقد أن قوانين السرية المصرفية السويسرية غير أخلاقية»، مضيفًا أن «ذريعة حماية الخصوصية المالية هي مجرد غطاء للدور المخزي للبنوك السويسرية كمتعاون مع المتهربين من الضرائب».
من جانبها قالت إدارة البنك إن هذه المزاعم غير صحيحة و«تاريخية» إلى حد كبير – إشارة لكونها قديمة – وفي بعض الحالات تعود إلى وقت كانت فيه «قوانين وممارسات وتوقعات المؤسسات المالية مختلفة تمامًا عما هي عليه الآن».
وفي حين أن بعض الحسابات في البيانات المسربة كانت مفتوحة بالفعل منذ أربعينات القرن الماضي، إلا أنه قد جرى فتح أكثر من ثلثيها منذ عام 2000. ولا يزال العديد من هذه الحسابات مفتوحًا حتى العقد الماضي، كما لا يزال جزء منها مفتوحًا حتى اليوم.
لا يمكن أن يكون توقيت التسريب أسوأ بالنسبة لبنك كريدي سويس، الذي عانى مؤخرًا من فضائح كبرى؛ ففي الشهر الماضي فقد البنك رئيسه، أنطونيو هورتا أوسوريو، بعد أن خرق مرتين لوائح Covid-19.
كما تورط البنك في انهيار شركة تمويل سلسلة التوريد Greensill Capital، وصندوق التحوط الأمريكي Archegos Capital، وجرى تغريمه 350 مليون جنيه إسترليني – 476 مليون دولار – بسبب دوره في فضيحة قروض في موزمبيق؛ ليصبح كريدى سويس في شهر واحد أول بنك سويسري كبير في تاريخ البلاد يواجه اتهامات جنائية – وهو ما ينفيه البنك – تتعلق بمزاعم أنه ساعد في غسيل الأموال من تجارة الكوكايين نيابة عن المافيا البلغارية.
ومع ذلك قد تكون تداعيات هذا التسريب أوسع بكثير من بنك واحد؛ مما يهدد بحدوث أزمة لسويسرا، التي تحتفظ بواحد من أكثر قوانين البنوك سرية في العالم. وتدير المؤسسات المالية السويسرية حوالي 7.9 تريليون فرنك سويسري «6.3 تريليون جنيه إسترليني» – حوالي 8.6 تريليون دولار – في الأصول، نصفها تقريبًا مملوك لعملاء أجانب.
Embed from Getty Images
يلقي مشروع «أسرار سويسرا» الصحافي هذا ضوءًا نادرًا على أحد أكبر المراكز المالية في العالم، والذي اعتاد العمل في الظل. ويحدد المدانين وغاسلي الأموال الذين تمكنوا من فتح حسابات مصرفية أو إبقائها مفتوحة لسنوات بعد ظهور جرائمهم. ويكشف كيف ساعدت قوانين السرية المصرفية الشهيرة في سويسرا في تسهيل نهب البلدان في العالم النامي، بحسب وصف التحقيق.
يضيف التحقيق أنه عندما اتصل رونالد لي فوك شو بمصرفي سويسري لفتح حساب عام 2000 كان من غير المرجح أن يُنظر إليه على أنه عميل عادي؛ فقد كان الرجل رئيس مجلس إدارة سابق لبورصة هونج كونج، وكان أحد أغنى الناس في المدينة، وعُرف باسم «الأب الروحي لسوق الأوراق المالية»، لكنه ربما كان معروفًا أكثر بالمدة التي قضاها في سجن شديد الحراسة.
انتهت مسيرة لي المهنية بشكل مشين عام 1990؛ عندما أدين بتلقي رشاوى مقابل إدراج الشركات في البورصة. ومع ذلك وبعد عقد من الزمان تمكن رونالد لي من فتح حساب يحتوي على 59 مليون فرنك سويسري «26.3 مليون جنيه إسترليني». أي ما يقرب من 36 مليون دولار، وفقًا للتسريب، ولقد توفي رونالد لي، لكن بقيت قضيته واحدة من عشرات الحالات التي اكتشفها الصحافيون الذين أظهروا أن البنك فتح أو يحتفظ بحسابات لعملاء لديهم سجلات خطيرة أو مشينة، كما أن هناك حالات أخرى ربما يكون البنك قد اتخذ فيها إجراءات سريعة بعد ظهور العلامات الحمراء، لكن هذه القضية – على سبيل المثال – تُظهر أن العملاء المشكوك فيهم قد انجذبوا إلى البنك منذ البداية.
ومثل أي بنك آخر في العالم يدعي كريديه سويس أن لديه آليات رقابة صارمة للقيام بالعناية الواجبة الشاملة على عملائه (لضمان الالتزام بأعلى معايير السلوك) في اللغة المصرفية، وتسمى هذه الضوابط شيكات «اعرف عميلك»، إلا أن هناك تقريرًا بتكليف من المنظم المالي السويسري – جرى تسريبه عام 2017 – ألقى بعض الضوء على الإجراءات الداخلية للبنك في ذلك الوقت، وقال التقرير إن العملاء سيواجهون تدقيقًا مكثفًا عندما يجرى وضع علامة عليهم كشخص مكشوف سياسيًا من بلد شديد الخطورة، أو شخص متورط في نشاط شديد الخطورة، مثل المقامرة، أو تجارة الأسلحة، أو الخدمات المالية، أو التعدين.
كان من المتوقع أن يستخدم مديرو العلاقات في البنك مصادر خارجية للتحقق من العملاء ومستويات مخاطرهم – وفقًا للتسريب – بما في ذلك المقالات الإخبارية أو قواعد البيانات مثل منصة Thomson Reuters World – Check، والتي تُستخدم على نطاق واسع في قطاع الخدمات المالية للإبلاغ عن الأشخاص الذين جرى القبض عليهم، أو توجيه الاتهام إليهم، أو التحقيق معهم، أو إدانتهم بجرائم خطيرة.
Embed from Getty Images
من المتوقع أن تمنع مثل هذه الضوابط مصرفًا من فتح حسابات لعملاء مثل «رودوليوب رادولوفيتش»، وهو ما وصفه التحقيق بـ(محتال) صربي وتاجر للأوراق المالية، وجهت له هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية لائحة اتهام في عام 2001، ومع ذلك فإن البيانات المسربة تحدده على أنه شريك في التوقيع على حسابين في بنك كريدي سويس لشركة أسسها وافتتح الحساب الأول لها في عام 2005، وهو العام الذي أعقب حصول لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية على حكم افتراضي ضد رادولوفيتش، بينما كان أحد حسابات شركة رادولوفيتش يمتلك 3.4 مليون فرنك سويسري (2.2 مليون جنيه إسترليني» – 2.99 مليون دولار – قبل إغلاقها في عام 2010.
وبعدها حكم عليه مؤخرًا بالسجن لمدة 10 سنوات من قبل محكمة في بلجراد (صربيا) لدوره في تهريب الكوكايين من أمريكا الجنوبية لصالح رئيس الجريمة المنظمة داركو ساريك، ومن جانبه لم يرد محامي رادولوفيتش على طلبات متعددة من قبل الصحافيين للتعليق على الموضوع، ولذلك فإن إن بذل العناية الواجبة ليست فقط للعملاء الجدد، بل يتعين على البنوك إعادة تقييم العملاء الحاليين باستمرار. وبحسب تقرير عام 2017 فإن البنك كان يقوم بفحص العملاء كل ثلاث سنوات على الأقل مرة واحدة في السنة بحثًا عن العملاء الأكثر خطورة.
قال محامو بنك كريدي سويس لصحيفة الجارديان إن هذه المراجعات الدورية قد جرى تقديمها (منذ أكثر من 15 عامًا)؛ مما يعني أن البنك كان يمارس العناية الواجبة باستمرار بشأن العملاء الحاليين منذ عام 2007، لذلك ربما كان من المتوقع أن يكون البنك قد اكتشف أن عميله الألماني إدوارد سايدل قد أدين بالرشوة في عام 2008. وكان سايدل موظفًا كبيرًا في شركة سيمنز.
Embed from Getty Images
وبصفته في الشركة متعددة الجنسيات الرائدة في نيجيريا، أشرف سايدل على حملة رشوة على نطاق صناعي لتأمين عقود مربحة لشركته عن طريق تحويل الأموال إلى السياسيين النيجيريين الفاسدين، وبعد أن داهمت السلطات الألمانية مقر شركة سيمنز في ميونيخ في عام 2006، اعترف سيدل على الفور بدوره في مخطط الرشوة، على الرغم من أنه قال إنه لم يسرق من الشركة أو يصادر أموالها، كما أدى تورطه في الفساد إلى إدخال اسمه في قاعدة بيانات Thomson Reuters World – Check عام 2007. ومع ذلك تُظهر بيانات البنك المُسربة أن حساباته تُركت مفتوحة حتى العقد الماضي على الأقل، وفي مرحلة ما بعد مغادرته شركة سيمنز، بلغت قيمة حساب واحد 54 مليون فرنك سويسري «24 مليون جنيه إسترليني»، أي ما يقارب 32.6 مليون دولار، وقد امتنع محامي سيدل عن الإفصاح عما إذا كانت هذه الحسابات تخصه. وقال إن موكله تناول جميع الأمور العالقة الخاصة بجرائم الرشوة، وانتهى منها، ويرغب في المضي قدمًا في حياته.
ولم يرد المحامي على الدعوات المتكررة لشرح مصدر الـ54 مليون فرنك سويسري الموجودين في حساب سيدل، بينما قالت شركة سيمنز إنها لا تعرف شيئًا عن الأموال، وأن مراجعتها للتدفقات النقدية الخاصة بها ليس بها أي معلومات عن ذلك الحساب. في حين قال بنك كريدي سويس في بيانه إنه لا يمكنه التعليق على أي عملاء محددين، مضيفًا أنه قد (جرى اتخاذ الإجراءات بما يتماشى مع السياسات المعمول بها، والمتطلبات التنظيمية في حينه، وأنه جرى بالفعل معالجة القضايا المتصلة بالموضوع)، في بعض الحالات من المفهوم أن يكون للبنك حسابات مجمدة تخص عملاء يعانون من مشاكل، ومع ذلك لا تزال هناك أسئلة حول مدى سرعة تحرك البنك لإغلاقها.
أحد العملاء الآخرين، ستيفان سيدرهولم، فني كمبيوتر سويدي فتح حسابًا لدى كريدى سويس في عام 2008، وتمكن من إبقائه مفتوحًا لمدة عامين ونصف بعد إدانته بتهمة الاتجار بالبشر في الفلبين، والتي حكم عليه فيها بالسجن مدى الحياة.
ظهرت جريمة سيدرهولم لأول مرة في عام 2009، عندما داهمت الشرطة في مانيلا واجهة متجر يزعم أنه الفرع المحلي لحركة السلام الشعبية في مينداناو (الفلبين)، واكتشفت الشرطة حوالي 17 امرأة في مقصورات بها كاميرات ويب تقدم عروضًا جنسية لعملاء أجانب، وبعد عدة محاكمات أُدين في عام 2011، وقال ممثل عن سيدرهولم إن بنك كريدي سويس لم يجمّد حساباته أبدًا، ولم يغلقها حتى عام 2013.
لقد طورت البنوك السويسرية سمعتها الموثوقة منذ عام 1713، عندما منع مجلس جنيف الكبير المصرفيين من الكشف عن أي تفاصيل حول الثروات التي يودعها الأرستقراطيين الأوروبيين، وسرعان ما أصبحت سويسرا ملاذًا ضريبيًا للعديد من النُخب في العالم، ورعى المصرفيون فيها (واجب الصمت المطلق) بشأن شؤون عملائهم. ولاحقًا جرى تكريس هذه العادة قانونيًا في عام 1934 مع إدخال قانون السرية المصرفية السويسري، الذي يجرم الكشف عن المعلومات المصرفية للعملاء إلى السلطات الأجنبية. وفي غضون عقود كان العملاء الأثرياء من جميع أنحاء العالم يتدفقون على البنوك السويسرية. وفي بعض الأحيان كان هذا يعني – ضمنيًا – أن العملاء لديهم شيء يخفونه.
Embed from Getty Images
واحدة من أكثر الحالات شهرة في تاريخ كريدي سويس تتعلق بالديكتاتور الفلبيني فرديناند ماركوس وزوجته إيميلدا. وتشير التقديرات إلى أن الزوجين قد سرقوا ما يصل إلى 10 مليارات دولار من الفلبين خلال الفترات الثلاث التي كان فرديناند رئيسًا للفلبين فيها، والتي انتهت في عام 1986. ومن المعروف – بحسب وصف التحقيق – منذ فترة طويلة أن كريدي سويس كان من أوائل البنوك التي ساعدت عائلة ماركوس في تدمير بلدهم، وفي إحدى الحلقات الشائنة ساعدهم في فتح حسابات سويسرية تحت أسماء وهمية هي (ويليام ساندرز) و(جين رايان)، وفي عام 1995، أمرت محكمة في زيورخ بنك كريدي سويس وبنك آخر بإعادة 500 مليون دولار من الأموال المسروقة إلى الفلبين،
تحتوي البيانات المسربة أيضًا على حساب يخص هيلين ريفيلا، وهي محامية أُدينت في عام 1992 للمساعدة في غسل الأموال نيابة عن فرديناند ماركوس لكنها على الرغم من ذلك، تمكنت من فتح حساب سويسري في عام 2000، وكذلك زوجها أنطونيو، الذي واجه تهمًا مماثلة جرى إسقاطها لاحقًا، ومن الصعب معرفة كيف أغفل بنك كريدي سويس قضية غسيل الأموال التي تربط الزوجين بالزعيم الفلبيني الفاسد، والتي نقلتها وكالة أسوشيتيد برس؛ وكان الزوجان، اللذان لم يُتمكن الوصول إليهما للتعليق، قادرين على الاحتفاظ بحوالي 8 ملايين فرنك سويسري «3.6 مليون جنيه إسترليني» – 4.90 مليون دولار – في البنك قبل إغلاق حساباتهما في عام 2006.
وبقول أحد الموظفين السابقين في البنك في ذلك الوقت إنه كانت هناك ثقافة متأصلة بعمق في البنوك السويسرية تتمثل في النظر للجهة الأخرى عندما يتعلق الأمر بالعملاء الذين يعانون من مشاكل، وقالوا لمراسل من مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، وأحد منسقي مشروع (أسرار سويسرا):
«كانت إدارات البنك أساتذة في الإنكار المعقول». وكان شعارهم: «لا تُدون أبدًا أي شيء قد يكشف عن حساب غير متوافق، ولا تطرح أبدًا سؤالًا لا تريد معرفة إجابته».
كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أيضًا عقدًا أصبح فيه المنظمون الأجانب والسلطات الضريبية محبطين بشكل متزايد بسبب عدم قدرتهم على اختراق النظام المالي السويسري، إلا أن ذلك قد تغير في عام 2007، عندما اتصل برادلي بيركينفيلد، المصرفي في بنك «يو بي إس»، طواعية بالسلطات الأمريكية وأمدهم بمعلومات حول كيفية مساعدة البنك السويسري كريدي سويس لآلاف الأمريكيين الأثرياء على التهرب من الضرائب بحساباتهم السرية، كان يُنظر إلى بيركينفيلد على أنه «خائن» في سويسرا، حيث كان غالبًا ما يجرى احتجاز المبلغين عن المخالفات المصرفية بتهمة الازدراء.
ومع ذلك فقد كشف تحقيق واسع النطاق أجراه مجلس الشيوخ الأمريكي في وقت لاحق عن التكتيكات العدوانية التي استخدمها كل من بنكي «يو بي إس» و«كريدي سويس»، والتي وُجد فيها أن بنك كريدي سويس قد أرسل مصرفيين إلى تجمعات راقية لتجنيد العملاء الجدد، وحث العملاء المحتملين على الانضمام للبنك عن طريق منحهم ذهبًا مجانيًا.
Embed from Getty Images
أحدثت هذه الاكتشافات موجات من الصدمة عبر القطاع المالي السويسري، وأثارت غضب الولايات المتحدة الأمريكية؛ مما ضغط على سويسرا للإفصاح من جانبها عن دافعي الضرائب الأمريكيين الذين يمتلكون حسابات سويسرية سرية منذ عام 2014، وفي نفس العام وقعت سويسرا على مضض على الاتفاقية الدولية للتبادل التلقائي للمعلومات المصرفية، ومن خلال اعتماد ما يسمى بمعيار الإبلاغ المشترك (CRS) ل البيانات الضريبية، وافقت سويسرا فعليًا على أن بنوكها ستتبادل في المستقبل المعلومات حول عملائها مع السلطات الضريبية في البلدان الأجنبية، وقد بدأوا في القيام بذلك في عام 2018.
يضيف التقرير انه غالبًا ما تستشهد الصناعة المصرفية السويسرية بعضوية نظام التبادل العالمي هذه كنقطة تحول. قالت جمعية المصرفيين السويسريين لصحيفة الجارديان: «لم تعد هناك سرية لعملاء البنوك السويسرية في الخارج، نحن نتحلى بالشفافية، ليس هناك ما نخفيه في سويسرا». ومع ذلك لا يزال قانون السرية المصرفية السويسري البالغ من العمر 90 عامًا ساري المفعول – وجرى توسيعه مؤخرًا، وتقدر شبكة العدالة الضريبية البريطانية أن البلدان في جميع أنحاء العالم تخسر مجتمعة ما يقرب من 21 مليار دولار (15.4 مليار جنيه إسترليني) كل عام من عائدات الضرائب بسبب سويسرا والعديد من تلك البلدان دولًا أفقر لم تسجل بعد بياناتها المصرفية في معيار الإبلاغ المشترك لتبادل البيانات، كما إن أكثر من 90 دولة، معظمها في العالم النامي، لا يزال نموها متأخرًا وقد يكون معدومًا عندما يُخفي دافعو الضرائب الأثرياء في هذه البلدان أموالهم في حسابات سويسرية، بحسب التحقيق.
هذا وقد جرى الاستشهاد بهذا الظلم في النظام الخاص بتبادل البيانات المصرفية من قبل المبلغ عن البيانات المسربة، الذي قال إن نظام معيار الإبلاغ المشترك لتبادل البيانات «يفرض عبئًا ماليًا وبنية تحتية غير متناسبة مع الدول النامية؛ مما يديم استبعادها من ذلك النظام في المستقبل القريب».
يمكّن هذا الوضع من انتشار الفساد ويحرم البلدان النامية من عائدات الضرائب التي تشتد الحاجة إليها. وبالتالي فإن هذه البلدان هي التي تعاني أكثر من غيرها من حيلة روبن هود العكسية لسويسرا التي ظاهرها مساعدة تلك الدول النامية وباطنها إعاقة انضمامها لنظام الإبلاغ المشترك مستقبلًا، وقد أقر المُبلِغ (المصدر) بأن هذا التسريب الضخم لا شك يحتوي على بعض الحسابات الشرعية التي أعلن عنها أصحابها لمصلحة الضرائب الخاصة بهم.
وقال: «إنني أدرك أن امتلاك حساب مصرفي سويسري خارجي لا يعني بالضرورة التهرب الضريبي، أو أية جريمة مالية أخرى، ومع ذلك فمن المحتمل أنه جرى قد فتح عدد كبير من هذه الحسابات لغرض وحيد هو إخفاء ثروة أصحابها من المؤسسات المالية و/أو تجنب دفع الضرائب على مكاسب رأس المال».
Embed from Getty Images
ولم يتمكن الصحافيون المشاركون في مشروع «أسرار سويسرا» من تحديد عدد الحسابات التي جرى الإفصاح عنها (للسلطات الضريبية ذات الصلة) من بين أكثر من 18 ألف حساب في التسريب. كما كتب الشركاء الإعلاميون في هذا المشروع الصحافي (أسرار سويسرا) إلى أكثر من 100 من عملاء كريدي سويس الموجودين في البيانات المسربة، يسألون عما إذا كانوا قد كشفوا عن حساباتهم السويسرية لسلطات الضرائب. وقد أكد خمسة أنهم فعلوا ذلك، بينما قال ستة منهم إنهم غير مطالبين بالإفصاح عن حساباتهم في سويسرا، ولم يرد أي عملاء آخرين.
ربما كان فرديناند ماركوس أكثر عملاء كريدي سويس شهرة، ويمكن القول إنه لا ينافسه سوى أقارب الديكتاتور النيجيري الوحشي ساني أباشا، الذي يُعتقد أنه سرق ما يصل إلى 5 مليارات دولار من شعبه في ست سنوات فقط، ومن المعروف منذ فترة طويلة أن بنك كريدي سويس قدم خدمات لأبناء أباتشا، وفتحوا حسابات سويسرية أودع فيها 214 مليون دولار؛ إذ كان بنك كريدي سويس «نادمًا علنًا» – بحسب وصف كُتاب التحقيق – بعد إطلاق مؤشر الاستثمار المستدام تحذيرًا للبنك بسبب هذه القضية. وقال متحدث باسم البنك في عام 1999: «نحن نتفهم أن المؤشر لم يكن سعيدًا حقًا بمشاركتنا مع آباشا ونحن أيضًا لم نكن سعداء بأنفسنا. لكننا عالجنا هذه المشكلات، وعلى مدى عدة سنوات اتخذنا إجراءات داخلية للتأكد من عدم حدوث أي شيء مشابه في المستقبل».
وأضاف التحقيق أن البنوك التي تمكّن الفاسدين من غسل أموالهم هي متواطئة في جريمة بعيدة المدى بشكل خاص، ويمكن أن تكون العواقب على السكان الفقراء مدمرة بالفعل، حيث يجرى نهب خزائن الدولة، وتتآكل المعايير الأساسية للشفافية والنزاهة، وكذلك تنخفض الثقة في الديمقراطية. ويعتبر السياسيون ومسؤولو الدولة من بين العملاء الأكثر خطورة بالنسبة للبنوك بسبب إمكانية وصولهم إلى الأموال العامة، لا سيما في الدول النامية ذات الضمانات القانونية الأقل ضد الفساد؛ مما يحجرى على البنوك والمؤسسات المالية الأخرى إخضاع الأشخاص البارزين سياسيًا، أو السياسيين النافذين، لأكثر عمليات الفحص صرامة، والمعروفة باسم «العناية الواجبة المعززة».
Embed from Getty Images
كما أن البيانات المسربة من كريدي سويس مليئة بالسياسيين وحلفائهم الذين جرى ربطهم بالفساد قبل، أو أثناء، أو بعد أن يكون لديهم حساباتهم، ليس منهم من هو في شهرة ماركوس أو آباشا، لكن العديد منهم مارسوا قوة عظمى في بلدانهم، وهناك المزيد منهم من سوريا إلى مدغشقر، حيث جمعوا ثروات شخصية، ومن بين هؤلاء بافلو لازارينكو، الذي خدم سنة واحدة فاسدة كرئيس لوزراء أوكرانيا بين عامي 1997 و1998 قبل التقدم بطلب للحصول على حساب في كريدي سويس، وبعد شهر من الضغط الذي مارسه المنافسون على لازارينكو لإعلان استقالته، فتح حسابه الأول من بين حسابين في كريدي سويس، وقد جرى تقدير قيمة أحدهما لاحقًا بنحو 8 ملايين فرنك سويسري (3.6 مليون جنيه إسترليني)، ما يوازي قرابة 5 ملايين دولار، وقدرت منظمة الشفافية الدولية لاحقًا أن لازارينكو نهب 200 مليون دولار من الحكومة الأوكرانية، من خلال التهديد بإلحاق الضرر بالشركات ما لم يدفعوا له 50٪ من أرباحهم.
وقد أقر لازارينكو بأنه مذنب في غسل الأموال بسويسرا عام 2000، ووجهت إليه لاحقًا في الولايات المتحدة الأمريكية تهمة الفساد، وحُكم عليه بالسجن تسع سنوات في عام 2006 فيما يتعلق برشاوى تلقاها من رجل أعمال أوكراني في أمريكا، بينما قال محاميه إن تلك الإدانات لا تتعلق بسرقة أي أموال من الشعب الأوكراني. ولم يعد لازارينكو – الذي يعتقد التحقيق إنه يعيش في ولاية كاليفورنيا الأمريكية – إلى أوكرانيا حتى الآن، حيث لا يزال يواجه اتهامات هناك بسرقة 17 مليون دولار، وقال محاميه إن حساباته في كريدي سويس لم يجرى الوصول إليها منذ عقدين من الزمن، إلا أنه جرى تجميدها بسبب الإجراءات القضائية المرفوعة ضده.
لا يزال من غير الواضح لماذا سمح بنك كريدي سويس لازارينكو بفتح حساب وإيداع مثل هذه المبالغ الضخمة في المقام الأول، نظرًا إلى خلفيته المتواضعة قبل دخوله السياسة، فقد كان لازارينكو موظفًا مسؤولًا عن مزرعة جماعية. قالت مونيكا روث، الخبيرة في غسيل الأموال والأستاذة في جامعة لوسيرن، إن البنوك السويسرية كافحت لفترة طويلة لتحدي السياسيين والمسؤولين العموميين الذين قضوا فترات في المناصب العامة برواتب متواضعة نسبيًا، إلا أنهم لديهم مبالغ ضخمة لإيداعها، مضيفة: «لا أحد يريد أن يسأل السؤال: كيفك ان ذلك ممكنًا؟».
في الوقت الذي كان يتعامل فيه مع لازارينكو، يبدو أن بنك كريدي سويس قد حقق أيضًا نجاحات في المؤسسة السياسية المصرية في ظل حكم الديكتاتور المخلوع حسني مبارك، الذي كان رئيسًا لثلاثة عقود حتى عام 2011. وكان من بين عملاء البنك نجلاه علاء وجمال، اللذان أسسا إمبراطوريات تجارية في مصر، وامتدت علاقة الأخوين بالبنك لعقود، مع فتح أول حساب مشترك لهما عام 1993. وبحلول عام 2010 – العام الذي سبق الثورة الشعبية التي أطاحت والدهما – كان حساب علاء الخاص يمتلك 232 مليون فرنك سويسري (138 مليون جنيه إسترليني)، أي ما يقارب 188 مليون دولار؛ إلا أنه بعد انتفاضات الربيع العربي تغيرت حظوظهم – بحسب وصف الجارديان – ففي عام 2015 حكمت محكمة مصرية على الإخوين ووالدهما بالسجن ثلاث سنوات فقط بتهمة الاختلاس والفساد.
Embed from Getty Images
وقد أقيمت الدعاوي ضدهما – بحسب التحقيق – نظرًا لأن القضية كانت ذات دوافع سياسية، لكن بعد استئناف فاشل دفع علاء وجمال ما يقدر بنحو 17.6 مليون دولار للحكومة المصرية في اتفاق تسوية لم يعترفوا فيه بأية مخالفات أو أنشطة غير مشروعة اقترفت من جانبهم. هذا ويرفض محامو الأخوين أي تلميح إلى أنهم فاسدون، قائلين إن حقوقهم انتهكت خلال القضية في مصر، وأن 10 سنوات من التحقيقات الواسعة النطاق والمتداخلة في أصولهم العالمية من قبل السلطات الأجنبية لم تكشف عن أي انتهاكات قانونية. وأضافوا أن حساباتهم في سويسرا قد جرى تجميدها منذ أكثر من عقد، في انتظار قرار السلطات السويسرية بالتحقيقات.
تشمل قائمة عملاء كريدي سويس الآخرين المرتبطين بالرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، قطب المال – الراحل أيضًا (حسين سالم) الذي عمل مستشارًا ماليًا للديكتاتور حسني مبارك لما يقرب من ثلاثة عقود، جمع خلالهم ثروة من صفقات كبرى لحسابه وتوفي في المنفى بعد مواجهة تهم بغسل الأموال، كما جاء أيضًا في التسريبات اسم هشام طلعت مصطفى، وهو ملياردير سياسي في حزب مبارك. وقد أُُُدين مصطفى – الذي تعذر الوصول إليه للتعليق – في عام 2009 بتهمة توظيف قاتل محترف لقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم (التي كان على علاقة بها)، لكن حسابه في كريدي سويس لم يُغلق حتى عام 2014.
أما أحد أتباع مبارك الآخرين المرتبطين بالخدمات المصرفية لبنك كريدي سويس هو رئيس المخابرات السابق عمر سليمان، الذي جرى إدراج شركائه في بيانات الحساب على أنهم أصحاب مستفيدون من حساب بلغت قيمته 63 مليون فرنك سويسري (26 مليون جنيه إسترليني) عام 2007. كان سليمان شخصية مرهوبة الجانب في مصر بحسب وصف التحقيق، حيث أشرف على انتشار التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان بحسب وصف التحقيق، وتكشف البيانات المسربة عن حسابات في بنك كريدي سويس عن العديد من الشخصيات الاستخباراتية والعسكرية الأخرى في العالم وأفراد عائلاتهم، بما في ذلك أسماء من باكستان، والأردن، واليمن، والعراق.
كان أحد العملاء الجزائريين للبنك هو خالد نزار، الذي شغل منصب وزير الدفاع حتى عام 1993، وشارك في انقلاب أدى إلى اندلاع حرب أهلية وحشية اتُهم فيها المجلس العسكري الذي كان جزءًا منه بالاختفاء، والاعتقالات الجماعية، والتعذيب، وإعدام المعتقلين وجرى توثيق دور نزار المزعوم في انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع بحلول عام 2004، عندما جرى فتح حسابه. وقد احتوى الحساب على رصيد بحد أقصى مليوني فرنك سويسري (900 ألف جنيه إسترليني) وظل مفتوحًا حتى عام 2013، أي بعد عامين من اعتقاله في سويسرا للاشتباه بارتكاب جرائم حرب إلا أنه ينفي ارتكاب أي مخالفات وما زال التحقيق مستمرًا.
إذا كان لدى الجزائريين، والمصريين، والاوكرانيين العاديين سبب للشكوى من أن بنك كريدي سويس ربما ساعد زعماء أشرار، فإن شكواهم تتضاءل مقارنة بالفنزويليين. وحدد المراسلون العاملون في مشروع «أسرار سويسرا» حسابات كريدي سويس المرتبطة بما يقرب من 20 من رجال الأعمال، والمسؤولين، والسياسيين المتورطين، في مخططات الفساد في فنزويلا، والتي يدور معظمها حول شركة النفط الحكومية الفنزويلية.
Embed from Getty Images
وقال سيزار ماتا جارسيا، الأكاديمي في جامعة دندي والمتخصص في قانون البترول الدولي: «لطالما كان الفساد موجودًا في شركة النفط الحكومية الفنزويلية، بدرجات ومستويات متفاوتة، إن كلمات مثل فنزويلا وشركة النفط الحكومية الفنزويلية هي بمثابة جرس إنذار للبنوك».
ويضيف التقرير: إذا كان الأمر كذلك، فلا يبدو أن هذا قد منع كريدي سويس من الحصول على عملاء جرى الكشف لاحقًا عن تورطهم في العديد من التحقيقات والمحاكمات الأمريكية المرتبطة بشركة النفط الحكومية الفنزويلية ونهب الاقتصاد الفنزويلي، وتتضمن إحدى تلك الحالات رجلي أعمال مقيمين في الولايات المتحدة تربطهما صلات فنزويلية، هما: روبرتو رينكون فرنانديز وأبراهام شييرا باستيداس، اللذان شرعا في عام 2009 في رشوة المسؤولين مقابل عقود شركة النفط الحكومية الفنزويلية المربحة بمساعدة زميل آخر هو، فرناندو أرديلا رويدا، وكان من بين أولئك الذين زُعم أنهم تلقوا الرشوة نائب وزير الطاقة، نيرفيس فيلالوبوس كارديناس، ومسؤولًا كبيرًا في شركة النفط الحكومية الفنزويلية، هو لويس دي ليون بيريز.
في عام 2015 بدأ المدعون الأمريكيون في توجيه التهم إلى المشاركين في القضية؛ وتشير أوراق المحكمة بشكل متكرر إلى مدفوعات في الحسابات الخاصة بهم في بنك سويسري لم يُذكر اسمه، إلا أن البيانات المسربة تكشف أن جميع الرجال الخمسة لديهم حسابات نشطة في كريدي سويس وقت ارتكاب الجرائم، وقد أقر أربعة من الخمسة بأنهم مذنبون. باستثناء شريكهم الخامس، فيلالوبوس، الذي يقاوم تسليمه إلى الولايات المتحدة من خلال إقامته في إسبانيا لعدم وجود اتفاقيات تسليم مجرمين مشتركة بين البلدين بحسب وصف الجارديان.
ويضيف التحقيق أن بعض حسابات كريدي سويس المرتبطة بفنزويلا احتوت على مبالغ ضخمة؛ فقد كان لدى فيلالوبوس ما يصل إلى 9.5 مليون فرنك سويسري (6.3 مليون جنيه إسترليني) – 8.5 مليون دولار – في حسابه وكان لدى دي ليون ما يصل إلى 22 مليون (15.5 مليون جنيه إسترليني)، أي ما يقارب 21 مليون دولار. وكذلك رينكون، رجل الأعمال الذي دفع رشاوى، كان لديه أكثر من 68 مليون فرنك سويسري (44.2 مليون جنيه إسترليني» – 59 مليون دولار – في حسابه اعتبارًا من نوفمبر 2015، وقبل شهر من اعتقاله.
عندما جرى تشييد المقر المزخرف لبنك كريدي سويس في سبعينيات القرن التاسع عشر في زيورخ، فقد جرى تصميمه ليرمز إلى «سويسرا كمركز مالي» وبعد أكثر من 150 عامًا، احتل البنك نفس المبنى الكبير ولا تزال سويسرا مركزًا خارجيًا عالميًا، كما فعلت على مدار 300 عام الماضية، وربما في العقود الأخيرة فقط اكتسب كريدي سويس، أحد أقدم البنوك السويسرية وأكثرها اعتزازًا، سمعته في التعامل مع الكوارث. كما لاحظ أحد المعلقين في وقت سابق من هذا الأسبوع أن البنك (يفتخر بأن الغرض منه هو خدمة عملائه الأثرياء) بروح الرعاية وريادة الأعمال، ولكن في هذه المرحلة ربما يكون معظمهم سعداء إذا تمكنوا من تجنب فضيحة كبرى أخرى.
Embed from Getty Images
استمر المصرفي هورتا أوسوريو في منصب رئيس بنك كريدي سويس أقل من عام قبل أن يستقيل الشهر الماضي يناير (كانون الثاني) 2022 وبعد فترة وجيزة من تعيين بنك كريدي سويس رئيسه الجديد، أكسل ليمان، أعلن البنك عن خسارة 1.6 مليار فرنك سويسري – 1.7 مليار دولار – (1.3 مليار جنيه إسترليني) في الربع الأخير، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه وضع جانبًا أكثر من 400 مليون فرنك سويسري (320 مليون جنيه إسترليني) – 435 مليون دولار – باعتبارها (مسائل تقاضي قديمة) أو عالقة. وقد تسببت الفضائح التي شملت سندات جرينسيل، وأرشيجوس، وموزمبيق في إلحاق الضرر بالبنك خلال العام الماضي، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، واجه كريدي سويس ما لا يقل عن 12 عقوبة وغرامات على الجرائم التي تنطوي على التهرب الضريبي، وغسيل الأموال، والانتهاك المتعمد للعقوبات الأمريكية وعمليات الاحتيال التي نفذت ضد عملائها على مدى عقود وسلطات قضائية متعددة، وفي المجموع الكلي، تراكم أكثر من 4.2 مليار دولار من الغرامات أو التسويات.
ويضيف التحقيق أن من بين هذا المبلغ الكلي المذكور هناك مبلغ 2.6 مليار دولار وافق البنك السويسري على دفعها للسلطات الأمريكية بعد الاعتراف بالذنب في تهمة التآمر للمساعدة في التهرب الضريبي عام 2014، و536 مليون دولار غرمتها الولايات المتحدة قبل خمس سنوات للبنك بتهمة التحايل المتعمد على العقوبات الأمريكية ضد دول مثل إيران والسودان في عام 2009، وكذلك المدفوعات الأخرى لألمانيا وإيطاليا بسبب مزاعم التهرب الضريبي وعلى خلفية ذلك، فإن الكشف عن «أسرار سويسرا» قد يثير تساؤلات حول ما إذا كانت التحديات التي يواجهها كريدي سويس تشير إلى أزمة عميقة في البنك؛ يعتقد جيف نيمان، المحامي المقيم في فلوريدا، والذي يمثل عددًا من المبلغين عن المخالفات في بنك كريدي سويس، أن العدد الهائل للفضائح التي تورط فيها البنك يشير إلى مشكلة أعمق.
وقال نيمان: «يريد البنك أن يقول إنهم مجرد مصرفيين محتالين. ولكن كم عدد المصرفيين المحتالين الذين تحتاجهم قبل أن تبدأ في امتلاك بنك مارق؟».
كما يقول نيمان أيضًا أن أن هناك ثقافة في البنك تشجع المصرفيين على الأرجح بمختلف الدرجات الوظيفية على عدم سماع أي شر، ولا رؤية شر، ولا قول أي شر، ودفن رؤوسهم في الرمال في يوم جيد، وفي أيام عديدة، ومساعدة الناس بنشاط على الالتفاف على أي قانون كان، من أجل حماية الأصول الخاضعة لإدارة البنك بشكل أفضل.
وقد رفض بنك كريدي سويس بشدة مثل هذه الاتهامات، وقال البنك في بيانه: «تماشيًا مع الإصلاحات المالية في جميع أنحاء القطاع وفي سويسرا، اتخذ كريدي سويس سلسلة من الإجراءات الإضافية المهمة على مدى العقد الماضي، بما في ذلك استثمارات إضافية كبيرة في مكافحة الجرائم المالية»، مضيفًا أنه يؤيد «أعلى معايير السلوك».
Embed from Getty Images
وأضاف محامو البنك أنه قد تعاون بشكل كامل مع العديد من التحقيقات التي استشهدت بها صحيفة الجارديان، وأن أي إخفاقات فردية سابقة للبنك لا تعكس سياساته وممارساته أو ثقافته التجارية الحالية. وفي نوفمبر «تشرين الثاني» 2021، أعلنت إدارة البنك أنها ستضع (إدارة المخاطر) في «صميم عمل البنك»، وقال البنك أيضًا إن (مراجعته الأولية) للحسابات التي جرى وضع علامة عليها من قبل مشروع الإبلاغ عن الأسرار السويسرية قد أثبتت أن أكثر من 90٪ من الحسابات التي تمت مراجعتها قد أغلقت الآن أو «كانت في طور الإغلاق قبل استلام الاستفسارات الصحافية».
ومن بين الحسابات المتبقية، التي لا تزال نشطة، قال البنك إنه «مستعد لاتخاذ العناية الواجبة المناسبة والمراجعات والخطوات الأخرى المتعلقة بالرقابة، بما في ذلك إغلاق الحسابات المعلقة». وأضاف بيان البنك: «يبدو أن هذه المزاعم الإعلامية هي جهد منسق لتشويه سمعة البنك، والسوق المالية السويسرية، التي شهدت تغيرات كبيرة على مدى السنوات العديدة الماضية». من المرجح أن يتجدد الجدل حول ما إذا كانت الصناعة المصرفية السويسرية قد خضعت لإصلاحات كافية في ضوء التسريبات الحالية.
وقد اقترح المبلغ عن المخالفات الذي شارك البيانات أنه لا ينبغي إلقاء اللوم على البنوك وحدها في مثل هذه الأمور؛ لأنها «مجرد رأسمالية جيدة من خلال تعظيم الأرباح ضمن الإطار القانوني الذي تعمل فيه».
واختتمت صحيفة الجارديان تحقيقها بالقول على لسان المُبلّغ أو (المصدر): «ببساطة، إن المشرعين السويسريين مسؤولون عن تمكين إقرار الجرائم المالية – وبحكم ديمقراطيتهم المباشرة – فإن الشعب السويسري يتمتع بالسلطة لفعل شيء حيال ذلك. بينما أدرك أن قوانين السرية المصرفية هي المسؤولة جزئيًا عن قصة النجاح الاقتصادي السويسري، فإنني أرى بقوة أن مثل هذا البلد الثري يجب أن يكون قادرًا على تحمل تبعات ضميره».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه علىالمصدر لا على «ساسة بوست».
علامات
أوكرانيا, الأردن, الجزائر, بنوك سويسرا, تسريبات كريدي سويس, سويسرا, كريدي سويس, مصر