• Arabic

سلطان القاسمي.. إنجازات نصف قرن تتوج مسيرة اليوبيل الذهبي للاتحاد

تحل اليوم الثلاثاء الذكرى الـ50 لتولي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة مقاليد الحكم في إمارة الشارقة.

ذكرى تحمل أهمية خاصة ليس لإمارة الشارقة فقط التي حققت خلال فترة حكمه إنجازات غير مسبوقة في مختلف المجالات، بل لدولة الإمارات والعالم أجمع.

50 عاما على تولي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي مقاليد الحكم في إمارة الشارقة، هي ذاتها عمر دولة الإمارات، كان له دور بارز خلالها لمساندة المغفور له المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في تعزيز أركان الاتحاد، ودعمه.

ولا تكتسب الذكرى الخمسين لتولي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي مقاليد الحكم في إمارة الشارقة أهميتها من الإنجازات الكبيرة والنجاحات غير المسبوقة والمكانة الرفيعة التي حققتها إمارة الشارقة في مختلف المجالات فحسب، وإنما لإطلاقه العديد من المبادرات الإنسانية والثقافية حول العالم، ولارتباط سيرته بشكل وثيق بتأسيس الاتحاد.

وشكل الاتحاد انطلاقة النهضة الحقيقية وبدء مسيرة الإنجازات لدولة الإمارات في مختلف المجالات، نتيجة لجهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بالتعاون مع إخوانه حكام الإمارات، من بينهم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.

وتولى الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي منصب أول وزير للتربية والتعليم في أول حكومة يتم تشكيلها بعد أسبوع من تأسيس الاتحاد في 9 ديسمبر/كانون الأول 1971، كما كان أحد أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد الذي وافق على انضمام رأس الخيمة للإمارات في فبراير 1972، ليكتمل عقد الإمارات السبع.

وقام بنفسه بإنزال علم إمارة الشارقة ورفع علم دولة الإمارات الاتحادي، في خطوة فارقة على طريق تعزيز أركان الاتحاد خلال فترة هامة في بداية نشأته.

ويشارك حاليا في تنفيذ "مبادئ الخمسين" التي اعتمدها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لترسم المسار الاقتصادي والسياسي والتنموي للبلاد، على مدار الخمسين عاما المقبلة، لتكمل بلادهم مسيرة الإنجازات التي بدأت قبل 50 عاما وصولا لتحقيق هدفها في "مئوية الإمارات 2071" بأن تكون أفضل دولة في العالم، وأكثرها تقدماً.

ويستذكر الإماراتيون، اليوم الثلاثاء، سيرة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي التي ترتبط بشكل وثيق بمسيرة الاتحاد ونهضة إمارة الشارقة خصوصا والإمارات عموما وتطورها والإنجازات التنموية التي حققتها على مدار 5 عقود.

سيرة لخصها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في تغريدة له بتلك المناسبة قال فيها :"يكمل أخي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ٥٠ عاماً منذ تولي مقاليد الحكم في الشارقة.. سلطان عمود من أعمدة الاتحاد.. وجامعة للعلم والثقافة.. ومحرك رئيسي للبناء والعمران وخدمة الإنسان في الدولة.. حفظ الله سلطان لأهله وشعبه ومحبيه".

سيرة ملهمة بما تحويه من دروس وعبر، عن قيمة وأهمية الاتحاد، عن الإيمان بالأهداف، عن العطاء، عن الإصرار والتحدي، عن الإخلاص والنجاح.

مولده ونشأته

ولد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد بن صقر بن خالد بن سلطان بن صقر بن راشد القاسمي يوم 2 يوليو/ تموز عام 1939 بمدينة الشارقة.

ترعرع على حب العلم والمعرفة، وكان شغوفا جدا بتاريخ وطنه، تفرغ في بداية عمره للدراسة وانتقل بين الشارقة والكويت ومصر ليتلقى تعليمه، وقد بدأ تعليمه العام في سبتمبر/أيلول 1948 في مدرسة الإصلاح القاسمية، وكان قد درس قبلها القرآن لدى الشيخ فارس بن عبدالرحمن.

وفي العام 1954 انضم للمدرسة الإنجليزية الخاصة ليدرس اللغة الإنجليزية. وانتقل بين الشارقة والكويت لتلقي تعليمه الإعدادي والثانوي.

عمل مدة عامين منذ فبراير/شباط عام 1961 وإلى سبتمبر/أيلول 1963 كمدرس لمادتي اللغة الإنجليزية والرياضيات بالمدرسة الصناعية بالشارقة، ثم تسلم رئاسة البلدية في عام 1965.

وفي نهاية العام نفسه 1965 توجه إلى القاهرة، ليبدأ الدراسة الجامعية في كلية الزراعة بجامعة القاهرة.

وبعد عودته إلى الشارقة بعد إتمامه دراسته الجامعية عام 1971 تسلم إدارة مكتب الحاكم بإمارة الشارقة.

وبعد أيام من قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 1971، وتحديداً في 9 ديسمبر/كانون الأول تم تشكيل مجلس الوزراء، ونُصب الشيخ سلطان القاسمي يومها وزيراً للتربية والتعليم.

سلطان القاسمي.. إنجازات نصف قرن تتوج مسيرة اليوبيل الذهبي للاتحاد

وبعد 54 يوما من تأسيس الاتحاد، وتحديدا يوم 25 يناير/كانون الثاني 1972 تسلم الشيخ سلطان بن محمد القاسمي مقاليد حكم إمارة الشارقة، خلفا لشقيقه الراحل الشيخ خالد بن محمد القاسمي، وليكون عضواً للمجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة، وكان عمره آنذاك 32 عاماً، ليكون الحاكم الثامن عشر لإمارة الشارقة من حكم القواسم الذي يعود للعام 1600.

دعم الاتحاد.. مواقف تاريخية

ومنذ توليه منصبه كحاكم للشارقة وعضو المجلس الأعلى للاتحاد أخذ على عاتقه، تدعيم أواصر الاتحاد، وتقويته إيمانا منه بأن "الاتحاد قوة".

وحرص الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على التأريخ للبدايات الأولى لتأسيس الاتحاد في كتابه "حديث الذاكرة" لتبقى زادا للأجيال المقبلة.

متحدثا عن السنوات الست الأولى من تأسيس الاتحاد وتوليه حكم إمارة الشارقة يقول: "حدثت تطورات متسارعة، أكان ذلك على مستوى إمارة الشارقة، أو دولة الإمارات العربية المتحدة، تحولت فيها الحياة، من التفرق إلى الاتحاد، ومن الخوف إلى الأمان، ومن البطالة إلى العمل الشريف، ومن الجهل إلى العلم والمعرفة، ومن الرفض من قبل الآخرين إلى القبول والترحيب، ومن استجداء الدول المانحة إلى دولة مانحة، هكذا كانت البداية...".

وشهد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي محطات هامة في مسيرة تأسيس الاتحاد، كان له دور بارز فيها، من أبرزها اجتماع المجلس الأعلى للاتحاد في 10 فبراير 1972، الذي تم خلالها الموافقة على انضمام إمارة رأس الخيمة إلى دولة الإمارات، ليكتمل عقد الإمارات السبع، وكانت له مواقف تاريخية مشرفة في دعم الراحلين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائب رئيس الدولة في هذا الأمر.

ويسجل كتاب "حديث الذاكرة"، قرارات المجلس الأعلى للاتحاد، والذي عقد يوم 25 إبريل ‬1973، من أجل توطيد أركان دولة الاتحاد ورفع مستوى المواطن، ويسجل الشيخ سلطان في دفتر التاريخ عن هذا الاجتماع، القرارات المهمة التي ساندت قيام دولة الاتحاد، قائلا: "المجلس قد ركز في اجتماعاته على بحث عدد من المسائل المتعلقة بتوفير المزيد من الخدمات للمواطنين في دولة الإمارات، وتعزيز الأجهزة الاتحادية.. كما أقر المجلس مجموعة من مشروعات القوانين والمراسيم الاتحادية التي تتعلق باستكمال بناء أجهزة الدولة ومؤسساتها الاتحادية".

وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 ألقى حاكم الشارقة كلمةً تاريخيةً هامة بمناسبة افتتاح مبنى دائرة المرور، تضمنت عدداً من القرارات التي دعمت المضي قدماً نحو تحقيق الوحدة الكاملة وكان أبرز هذه القرارات: دمج دوائر الشرطة والأمن العام بالشارقة في وزارة الداخلية، ودمج دوائر العدل في وزارة العدل، ودمج إذاعة الشارقة في وزارة الإعلام، ودمج إدارة المواصلات السلكية واللاسلكية في وزارة المواصلات، وإلغاء الحرس الوطني كقوة دفاع الشارقة وضمّ أفراده إلى وزارة الداخلية.

في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 خاطب حاكم الشارقة المسيرة المؤيدة القرارات التاريخية بدعم الكيان الاتحادي وقام وهو يحمل علم الاتحاد بيده بالقرب من السارية التي رُفع عليها علم الشارقة وخطب في جموع الحاضرين قائلا: "إن هذه الدولة لها رئيسٌ واحد وعلمٌ واحد، فلنطبّق القول بالفعل، فنستبدل علم الشارقة برفع العلم الاتحادي، ونرفعُ علم الاتحاد خفاقاً عالياً فوق جميع المؤسسات والدوائر في الشارقة".

وبعد 50 عاما من تأسيس الاتحاد، وبالتزامن مع احتفال الدولة بيوبيلها الذهبي، أبرز الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مسيرة إنجازات الدولة على مدار نصف قرن، وطموحاتها المستقبلية، قائلا وأردف: "ونحن نحتفل بعد مرور خمسة عقود، نُثمّن الإنجازات الكبرى التي حققتها بلادنا، وحقّ لأبنائنا وبناتنا الاحتفال والاعتزاز بها، فقد تبوّأت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانةً عُليا في كافة المؤشرات والمقاييس العالمية، مقارنةً بعمر اتحادها القصير. وقطعت الدولة أشواطاً بعيدة في الاستقرار والنمو المجتمعي، جنباً الى جنب مع مجالات الاقتصاد والصحة والتعليم والتجارة والرياضة والثقافة، وفي علوم الفضاء الذي خطت فيه بلادنا خطوات هادفة. كل هذا التفوق والتقدم يشيرُ الى مكانة الدولة المستحقّة في العالم، والتي وصلت إليها بفضل الاتحاد الذي يعطي أسباب القوّةِ، وبالوحدةِ التي تُورّثُ العزيمة الصادقة، وبهما تُبنى الأوطان".

وأكد أن وثيقة مبادئ الخمسين التي وجه بها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، واعتمدها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إنما هي امتداد للرؤية الحكيمة والطموح اللذين تأسست عليهما الدولة وساهما في الوصول إلى مكانتها الحالية المتقدمة.

ومتحدثا عن طموحات المستقبل، قائلا: "لم يتحقق كل ما أنجز إلا من تركيز كبير على المحرك الرئيسي والحقيقي في عملية التنمية، ألا وهو رأس المال البشري المواطن الذي كان ولا يزال على قدر المسؤولية والثقة والطموح الكبير الذي وضعته له القيادة، وسيقع على عاتقه تحقيق إنجازات أكبر في الخمسين سنة القادمة بتعلمه وتطوير مهاراته ومواكبة كافة المجالات والتقنيات الحديثة والاستفادة من كل وسائل العلم والتنمية".

إمارة الشارقة

أما على صعيد إمارة الشارقة، فقد حققت إنجازات غير مسبوقة في مختلف المجالات منذ تولى الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ولاية الحكم في الشارقة في 25 يناير/كانون الثاني عام 1972، حيث قاد التنمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في الإمارة.

وتعد الإمارة حاليا أحد الأماكن الرائدة والمرموقة في تحقيق رفاهية الإنسان في كافة جوانبه التعليمية والأسرية والمجتمعية والاقتصادية والدينية والثقافية والصحية والرياضية وغيرها.

مبادرات محلية ودولية

وتحفل سيرة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بسجل مضيء من المبادرات المحلية والدولية للنهوض بالعلم والأدب والثقافة والصحة، منها مبادرة "لغتي" لتعلم اللغة العربية بوسائل ذكية ومبادرة إنشاء مستشفيي جامعة الشارقة التعليمي والأسنان.

وإنشاء مدينة الشارقة للنشر كأول منطقة حرة للنشر في العالم عام 2017، وإنشاء دار المخطوطات الإسلامية في الجامعة القاسمية بالشارقة في العام نفسه، وإطلاق "جائزة الشيخ سلطان لطاقات الشباب" عام 2019، التي تعد الأولى من نوعها على مستوى المنطقة، وتهدف إلى صقل المواهب والمهارات اليومية، وتعزيز الإرادة لدى اليافعين والشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة.

أيضا افتتح نهاية عام 2020 مجمع القرآن الكريم بالشارقة كأكبر مجمع متخصص في علوم القرآن الكريم ومقتنياته وتدريسه وحفظه في العالم.

على المستوى العالمي تبرز مبادرة ترميم "مكتبة ماكميلان" في نيروبي عام 2019، ودعم معهد الأورام في مصر بـ 33 مليون درهم عام 2018،و دعم مؤسسة "الكرامة للأطفال" الماليزية بمبلغ مليون دولار أمريكي في العام نفسه.

كما أنشأ مبنى اتحاد المؤرخين العرب في القاهرة عام 2015، ليكون نقطة للالتقاء والتواصل بين المؤرخين العرب في كل أقطار الوطن العربي.

أيضا من أبرز إنجازاته المعجم التاريخي للغة العربية وهو مشروع ضخم للأمة العربية والإسلامية، تولى الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي مهمة النهوض به ليُكمل حلماً كبيراً راود علماء اللغة العربية منذ بدايات القرن العشرين.. وأطلق في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 المجلدات الـ 17 الأولى من "المعجم" في إنجاز ثقافي وحضاري شكل إضافة كبيرة في سيرة الأمة العربية.

تكريم مستحق

رغم مهامه الكثيرة ومسؤولياته الكبيرة وتوليه العديد من المناصب، حصل حاكم الشارقة على العديد من الشهادات الأكاديمية من بينها: الدكتوراه في التاريخ من جامعة إكستر بريطانيا 1985م والدكتوراه في التاريخ من جامعة درهام بريطانيا 1999م كما نال عضوية مجلس جامعة كامبرديج بريطانيا 2004وعضوية أكاديمية العلوم لشبونة البرتغال 2013.

وعلى مستوى درجة الدكتوراه الفخرية فقد تم منحه عددا كبيرا من هذه الدرجات الرفيعة المستوى في عدد من التخصصات ومن مختلف جامعات العالم.

وتتويجا لجهوده ومبادراته في مختلف المجالات الثقافية والتربوية والرياضية والتراثية والمسرحية والعلمية والاجتماعية، تم تكريمه عشرات المرات في مختلف دول العالم، إما باختياره شخصية العام في عدد من الدول، وإما بمنحه جوائز وأوسمة وميداليات وقلائد من مختلف دول العالم.

مقالات ذات صلة

المواد الساخنة