كييف – “القدس” دوت كوم – (أ ف ب) -أرجئت عملية إجلاء سكان ماريوبول، وهو ميناء استراتيجي واقع في شرق أوكرانيا تحاصره القوات الروسية، بسبب الانتهاكات الروسية المتعددة لوقف إطلاق النار، كما قالت بلدية المدينة السبت، فيما يتقدّم الجنود الروس في مناطق أخرى في البلاد وتدور معارك طاحنة حول العاصمة كييف.
ستشكل سيطرة موسكو على ماريوبول التي يبلغ عدد سكانها 450 ألف نسمة والواقعة على بحر أزوف، نقطة تحول مهمة في غزو أوكرانيا.
فهي ستسمح بربط القوات الروسية القادمة من شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو، بعد استيلائها على مرفأين رئيسيين في بيرديانسك وخيرسون، من جهة والقوات الانفصالية وتلك الروسية في الدونباس من جهة أخرى. وهذه المدينة قاومت في 2014 هجمات القوات الموالية لروسيا القادمة من دونيتسك خصوصا.
كتبت البلدية على تلغرام منتصف اليوم أن عملية إجلاء المدنيين التي كان مقررا أن تبدأ في وقت متأخر صباح السبت، “أرجئت لأسباب أمنية” لأن القوات الروسية “تواصل قصف ماريوبول ومحيطها”.
وفي وقت لاحق، اتهمت وزارة الدفاع الروسية القوميين الأوكرانيين في ماريوبول وفولنوفاخا، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 20 ألف شخص قرب مركز المتمردين في دونيتسك، بمنع الأوكرانيين من المغادرة صوب روسيا، والاستفادة من الهدنة لتعزيز دفاعاتهم.
ووصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر السبت الوضع في ماريوبول بأنه “مفجع” حيث أرجئت عملية إجلاء السكان، داعية الأطراف إلى حماية المدنيين في أوكرانيا، سواء كان هناك ممر إنساني أم لا.
بعد عشرة أيام من الحرب من المستحيل التحقق من الأرقام من مصادر مستقلة. فكييف تتحدث عن مقتل 350 مدنيا على الأقل وأكثر من تسعة آلاف جندي روسي بينما أعلنت موسكو سقوط 2870 قتيلا في الجانب الأوكراني و498 في الجانب الروسي.
وفر نحو 1,4 مليون لاجئ من أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي في 24 شباط/فبراير، بحسب آخر إحصاءات الأمم المتحدة ما أدى إلى تعبئة كبيرة في البلدان المجاورة وخصوصا بولندا حيث ذهب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن السبت.
وقال أحد أعضاء منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية التي ما زالت في ماريوبول لوكالة فرانس برس “الليلة الماضية، اشتد القصف وأصبح أقرب” مضيفا أن السكان يفتقرون إلى كل شيء، خصوصا الماء لدرجة أنهم يضطرون لجمع الثلوج وإذابتها من أجل الحصول على هذا المورد الحيوي، والطعام، إذ أدى القصف إلى تدمير العديد من المتاجر.
ويأتي حصار ماريوبول فيما تقترب القوات الروسية من العاصمة كييف وتواجه مقاومة عنيدة، خصوصا في تشيرنيغوف الواقعة على مسافة 150 كيلومترا شمال العاصمة، حيث قتل عشرات المدنيين في الأيام الأخيرة.
وشاهد فريق من وكالة فرانس برس زار الموقع السبت، مشاهد دمار في أحياء مدنية، تقول موسكو إنها لا تستهدفها، في هذه المدينة التي يقطنها 300 ألف نسمة والتي تفرغ من سكانها وحيث يرتسم مشهد يخشى أن يتكرر في كييف المطوقة بقوات روسية.
وقال سيرغي، وهو أحد الناجين “كانت الجثث منتشرة في كل مكان. كانوا ينتظرون في طوابير للحصول على علاج وقد ماتوا جميعا”.
وأقر وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف في منشور على فيسبوك صباح السبت بأن الروس تقدموا في اتجاهات عدة لكنه أكد أنهم لا يسيطرون إلا على “جزء صغير” من أراضي البلاد وأن المقاتلين الأوكرانيين “يتصدون لهم”.
واتهم موسكو بتغيير تكتيكها واستهداف المدنيين بعدما واجهت مقاومة أوكرانية عنيدة قال إنها تقوض الخطط الروسية لغزو مدن كبرى وإطاحة حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي بسرعة.
وواصل الرئيس الأوكراني تحدي موسكو وأعلن السبت أن القوات الأوكرانية شنّت هجوما مضادا حول خاركيف في الشمال وثاني مدن البلاد التي شهدت بعض أعنف عمليات القصف منذ بداية الحرب.
وبين ماريوبول وكييف الواقعة في الوسط يحتل الجيش منذ الجمعة محطة زابوريجيا للطاقة النووية في جنوب شرق أوكرانيا حيث أدى قصف مدفعي، حسب الأوكرانيين، إلى نشوب حريق فيها. وتنفي موسكو قصف المحطة.
خلال عشرة أيام من الغزو، حقّق الروس تقدما كبيرا في الأراضي الأوكرانية، لكنهم حتى الآن، لم يستولوا إلا على مدينتين رئيسيتين فقط، هما بيرديانسك وخيرسون، على الساحل الجنوبي للبحر الأسود.
وذكر ميخايلو بودولاك مستشار الرئاسة الأوكرانية أن جولة ثالثة من المفاوضات الروسية الأوكرانية قد تعقد السبت أو الأحد.
لكن فرص تحقيق تقدم تبدو ضئيلة جدا. فقد حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن الحوار مع كييف لن يكون ممكنا إلا إذا تم قبول “كل المطالب الروسية” بما في ذلك ضمان وضع أوكرانيا كدولة “محايدة وغير نووية” و”إخلائها الإلزامي من السلاح”.
وهو أشار السبت إن أي بلد سيسعى إلى فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا ستعتبر موسكو أنه أصبح طرفا في النزاع. وأكد بوتين من جهة ثانية أن بلاده لا تعتزم فرض الأحكام العرفية.
وفي غضون ذلك، تتواصل المعارك حول كييف.
في أحد المستشفيات في شمال العاصمة، تحدّث جنود أوكرانيون مصابون لوكالة فرانس برس السبت عن قتالهم غير المتكافئ تحت وابل من النيران الروسية، فيما تعهدوا أنهم سيعودون إلى الجبهة بمجرد أن يصبحوا قادرين على القتال مجددا.
وروى الجندي موتيكا (29 عاما) الذي أصيب بشظية “كنا في وضع استطلاعي وصادفنا رتلا معاديا. قاتلناهم وقتلنا جنودهم المشاة لكنهم امطرونا بقذائف الهاون”. خسرت الكتيبة الأوكرانية العديد من المقاتلين واضطرت للتراجع.
ومن المقرر أن يطلب زيلينسكي من واشنطن المزيد من المساعدة السبت بعد أن أعرب عن خيبة أمله من رفض الناتو فرض منطقة حظر للطيران فوق أوكرانيا.
وأكد فلاديمير بوتين أن القوات الروسية لا تقصف كييف والمدن الأوكرانية الكبرى ووصف المعلومات عن عمليات التدمير الذي تقوم بها موسكو بـ “التلفيق الدعائي الجسيم”.
وفي روسيا شدد الكرملين قمعه لكل الأصوات المعارضة للنزاع مع توقيع بوتين الجمعة قانونا ينص على عقوبة بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما لمن ينشر “معلومات كاذبة”. وبرر الكرملين السبت تبني هذا النص بضرورة التصدر “لحرب إعلامية”.
وأعلنت وكالة الأنباء المالية بلومبرغ وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وشبكة “سي بي سي/إذاعة كندا” تعليق نشاط صحافييها مؤقتا كما أوقفت شبكة “سي ان ان” الأميركية بث برامجها في روسيا.
وتوقفت محطتا “ارد” و”زدف” الألمانيتان و”راي” الإيطالية السبت عن تغطيتها من روسيا.
من جهة أخرى، توسعت السبت قائمة الشركات التي اتخذت قرارا بالابتعاد عن روسيا. فأوقفت مجموعة “سامسونغ ايلكترونيكس” الكورية الجنوبية صادراتها إلى روسيا حيث تسيطر على ثلث سوق الهواتف الذكية.
كذلك، أعلنت مجموعة الملابس الإسبانية العملاقة “إنديتكس” مالكة شركة “زارا” الرائدة عالميا في المجال السبت “تعليق نشاطها موقتا في 502 متجر” في روسيا وكذلك على موقع التسوق عبر الإنترنت للمجموعة في البلاد.
من جهة ثانية، دعت لندن السبت البريطانيين الذين لا يعتبر وجودهم “ضروريا” إلى مغادرة روسيا، فيما أعلنت شركة الطيران الروسية “إيروفلوت” تعليق رحلاتها الدولية اعتبارا من 8 آذار/مارس في الوقت الذي تتعرض موسكو لعقوبات شديدة من الغرب بسبب غزوها أوكرانيا.