نجاح القمة العربية الإسلامية الأمريكية أبرز الدور القيادي للسعودية
العلاقات البحرينية السعودية تزداد رسوخا في عهد جلالة الملك والملك سلمان
اللفتة التاريخية للملك سلمان بتقبيل علم البحرين تعبر عن محبته الصادقة للبحرين وأهلها
تحتفي سفارة المملكة العربية السعودية الشقيقة في البحرين اليوم الأحد بمناسبة اليوم الوطني السعودي الـ87، والذي يصادف يوم 23 سبتمبر من كل عام منذ أن نجح القائد التاريخي المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيَّب الله ثراه) في توحيد الجزيرة العربية تحت راية الإسلام ووضع قواعد الدولة السعودية الحديثة، حيث أعلن تدشين قيام المملكة العربية السعودية بمرسوم ملكي في 23 سبتمبر عام 1932.
وكان ذلك الإعلان بمثابة تدشين لبناء دولة عربية إسلامية حديثة تجمع بين قيم الأصالة والمعاصرة، فهي دولة تهتم بالحفاظ على القيم العربية والإسلامية الأصيلة وتبدي استعدادا دائما ومتحفزا للقيام بمسؤولياتها تجاه أمتيها العربية والإسلامية انطلاقا من إدراكها دورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي في ضوء الهبة الربانية لها بأن جعلها مهبط الوحي والرسالة الإسلامية الخاتمة، واضطلاعها بمهمة رعاية وحماية أشرف المقدسات الإسلامية ممثلة في المسجد الحرام والكعبة المشرفة في مكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة.
ويأتي احتفال هذا العام باليوم الوطني السعودي وسط مشاعر ابتهاج وسرور بنجاح المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في إنجاح موسم الحج لهذا العام على نحو قياسي فاق التوقعات؛ حيث أدى ضيوف الرحمن مناسكهم في سلاسة وأمان وسلام، ونجحت القيادة السعودية في إفشال محاولات تسييس وتدويل الحج التي سعت إليها كل من إيران وقطر.
وسبق ذلك نجاح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في استضافة القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقادة 55 دولة إسلامية في مايو الماضي، الأمر الذي أبرز الدور القيادي للسعودية.
البحرين والسعودية.. علاقات عميقة الجذور
تتميز العلاقات البحرينية السعودية بكونها علاقات عميقة وممتدة تاريخيا، وتقوم على تفاهم وثيق بين حكام البلدين منذ السنوات المبكرة لتأسيس المملكتين الشقيقتين.
وتتسم العلاقات الأخوية المتينة بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية بكونها علاقات تاريخية تتميز بخصوصية نادرة في العلاقات بين الدول عموما، وبين البلدان العربية والإسلامية خصوصا، ونحن هنا لا نغالي حين نقول -كما يشهد بذلك الخبراء المختصون- إن البحرين والسعودية هما أكثر بلدين في العالمين العربي والإسلامي يمكن إعلان قيام دولة الوحدة بينهما خلال ساعات؛ لأن الشعور القائم لدى قيادتي البلدين وأبناء الشعبين البحريني والسعودي أنهما شعب واحد في بلدين مؤقتا، وأن الوحدة بينهما قائمة فعليا، وخاصة منذ افتتاح جسر الملك فهد عام 1986، والذي ربط بين البلدين اجتماعيا واستراتيجيا على نحو جعلهما بمثابة جسد واحد، ناهيك عن المشاعر الوجدانية الفياضة التي تجمع قلوب البحرينيين والسعوديين على نحو جعل شعار «القلوب مجتمعة» عنوانا صادقا ومعبرا عن عمق علاقات المحبة والمودة والتآلف والإخاء التي تجمع بين أبناء المملكتين الشقيقتين.
الملك سلمان وتقديره للبحرين
وإذا كان في تاريخ الشعوب لحظات مؤثرة ولقطات معبرة تجمع وتلخص كل معاني التلاحم والوحدة والتناغم الأخوي الصادق، وكل معاني التضامن والتلاقي الأخوي والوجداني العفوي، فيكفي أن نشير إلى اللقطة التاريخية التي قبَّل فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز علم مملكة البحرين بكل حب وصدق واعتزاز، خلال زيارته التاريخية لمملكة البحرين في ديسمبر من العام الماضي 2016؛ فهذه لقطة عفوية صادقة لا يمكن أن تنساها البحرين كلها قيادة وشعبا على مر العصور؛ لأنها لقطة تحمل كل المعاني الجميلة لهذه العلاقة النادرة والخاصة جدا بين السعودية والبحرين؛ لأن الملك سلمان كان يشعر بأنه يقبل علم بلاده تماما وليس علم بلد آخر، ولم يكن ليُقدم على مثل هذه اللفتة العفوية الصادقة لو لم تكن هذه حقيقة مشاعره التلقائية تجاه البحرين وأهلها.
ولهذا لم يكن غريبا أن تعبر قيادتا البلدين في شتي المناسبات عن الإيمان العميق بالمبدأ الاستراتيجي الذي تلخصه مقولة: «إن أمن البحرين من أمن السعودية، وأمن السعودية من أمن البحرين».
هو الأمر الذي تجسد بوضوح خلال الأزمة التي مرت بها البحرين عام 2011 عندما تعرضت لمؤامرة دولية وإقليمية كبرى استهدفت زعزعة الأمن والاستقرار فيها، وكان وراءها مخطط انقلابي يسعى إلى قلب نظام الحكم في البلاد، وهو المخطط الذي تصدت له قيادة البلاد بكل حنكة وحكمة وشجاعة بدعم شعبي كبير، ووقفت المملكة العربية السعودية وقفة تاريخية لا تُنسى لدعم أمن واستقرار البحرين، وقادت المبادرة الخليجية لإرسال قوات «درع الجزيرة» للمساعدة في حماية الأمن وحماية المنشآت الأساسية في الدولة، وهو الأمر الذي باغت بعض القوى الإقليمية والدولية المتورطة في مخطط الانقلاب والتآمر على أمن البحرين وأصابها بالصدمة من هول «المفاجأة الاستراتيجية»، ما أفقدها التوازن مع زمرة المتآمرين والانقلابيين، ونجحت البحرين بذلك في إحباط المخطط الانقلابي وإفشال المؤامرة على أمنها واستقرارها.
ومن هنا، نجد دائما التقدير الكبير من قيادة البحرين لمكانة المملكة العربية السعودية وقيادتها على مر التاريخ، وفي كل المواقف؛ استنادا إلى العلاقات الأخوية المصيرية التي تجمع بين البلدين الشقيقين.
وفي هذا السياق، يوضح جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مبادئ النهج الثابت لمملكة البحرين في توطيد وترسيخ العلاقات الأخوية الوثيقة مع المملكة العربية السعودية بقوله: «إن مملكة البحرين اختارت على مدى تاريخها التضامن مع السعودية للمحافظة على الدين والعروبة والتعايش والتسامح وحفظ الكيان وحُسن الجوار».
ويؤكد جلالة الملك أيضا: «عندما نتوجه إلى المملكة العربية السعودية فإنما ننتقل إلى عُمق الوطن الخليجي والعربي؛ باعتبارها عمقنا الاستراتيجي وبيت العرب الكبير ومهبط الوحي وقِبلة الإسلام والمسلمين».
ونجد التوجه الاستراتيجي نفسه لاعتزاز مملكة البحرين بالعلاقات الأخوية الوثيقة مع الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية في رؤية سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وهو ما يعبر عنه بقوله: «إن العلاقة العميقة والقوية التي تجمعنا مع الشقيقة السعودية كانت وستظل مثالاً يُحتذى، وترتكز على تاريخ طويل ممتد من التواصل والود والمحبة والعمل المشترك، فضلاً عن وجود قيادة واعية في البلدين تؤمن بحتمية وحدة المصير بين أبناء الشعبين الشقيقين».
وأضاف سمو رئيس الوزراء قائلا: «إننا في مملكة البحرين لنقدر الدور السعودي المهم في دعم جهود البحرين التنموية على الأصعدة كافة، والمساندة القوية التي حَظيت بها البحرين من المملكة العربية السعودية الشقيقة ملكًا وحكومةً وشعبًا، وخاصة خلال الأحداث المؤسفة التي شهدتها البحرين».
كذلك أكد سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة عُمق العلاقات البحرينية السعودية قائلا: «إن علاقات مملكة البحرين بشقيقتها المملكة العربية السعودية علاقات تاريخية صلبة، تصونها وتحميها الرعاية الكريمة من لدن قيادتي البلدين»، مثمِّنًا سموه عاليًا الموقف المشرف للمملكة العربية السعودية الشقيقة قيادةً وشعبًا تجاه البحرين، وهو موقف ليس جديدًا ولكنه يتجدد، وخصوصًا في ظل الظروف التي شهدتها البحرين.
ولهذا كان من الطبيعي أن تشهد العلاقات البحرينية السعودية تطورا مستمرا في المجالات كافة، وأن تزداد قوة ورسوخا وتلاحما استراتيجيا، وخاصة في عهد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
ففي مجال التعاون الاقتصادي تشير التقارير الاقتصادية إلى أن المملكة العربية السعودية تعد الشريك التجاري الأول لمملكة لبحرين؛ إذ تجاوزت الاستثمارات السعودية في المملكة أكثر من 13 مليار ريال سعودي، فيما بلغ عدد الشركات الفاعلة التي فيها استثمار سعودي في البحرين أكثر من 315 شركة، بينما بلغ عدد الشركات السعودية العاملة والمسجلة في البحرين ما يربو على 43 شركة، فضلاً عن وجود عديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة التي تربط بين رجال الأعمال والمستثمرين في البلدين، والتي تعززت بشكل كبير بعد افتتاح جسر الملك فهد، إذ سهّل ذلك انتقال الرساميل بين البلدين، وأسهمَ في تعدد المشاريع الاقتصادية المشتركة.
وتوجد حوالي 896 شركة من الشركات السعودية المساهمة في مملكة البحرين التي تعمل في مجالات السفر، الشحن، التجارة، الهندسة، وغيرها من المجالات، حيث تشكّل هذه الكتلة التجارية جزءًا كبير الأهمية من الحركة الاقتصادية في مملكة البحرين، كما يشهد جسر الملك فهد حركة نشطة للمسافرين والبضائع، ويدل على ذلك نمو هذه الحركة عاما بعد آخر.
وفي إطار حرص المملكة العربية السعودية على دعم جهود التنمية في مملكة البحرين، في إطار السعي لتدعيم أسس التكامل الاقتصادي بين البلدين، وقَّع الصندوق السعودي للتنمية مع مملكة البحرين، في مارس من هذا العام 2017، 9 عقود تمويل لمشاريع خدمية وبنية تحتية تصل قيمتها إلى 489 مليون دولار (1.833 مليار ريال)؛ وذلك لتوفير التمويل اللازم لعدد من المشاريع الحيوية في إطار المرحلة الثالثة من المِنحة التي قدمتها المملكة العربية السعودية ضمن برنامج التنمية الخليجي، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية 2.5 مليار دولار.
وجرى التوقيع في مقر وزارة المالية البحرينية، حيث وقع الاتفاقات عن الجانب البحريني الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة وزير المالية، وعن الصندوق السعودي للتنمية المهندس يوسف بن إبراهيم البسام نائب الرئيس والعضو المنتدب. وتتضمن الاتفاقية الأولى توفير التمويل اللازم لبناء عدد 582 وحدة سكنية في كل من وادي السيل وقلالي، بقيمة إجمالية 70 مليون دولار.
وعلى مستوى قطاع الطرق، تم توقيع 4 اتفاقيات تمويل بقيمة إجمالية 284 مليون دولار، حيث تم تخصيص 70 مليون دولار لمشروع تطوير الشارع الرئيسي المؤدي إلى مطار البحرين الدولي، و22 مليون دولار لمشروع إنشاء شارع جنوب البحرين الدائري (المرحلة الأولى)، و93 مليون دولار لمشروع تطوير شارع الفاتح، و99 مليون دولار لمشروع شارع الحوض الجاف- المنافذ الخارجية، ولمشروع شرق الحد الإسكاني (المرحلتان الأولى والثانية)، كما تضمنت اتفاقيات التمويل أيضًا توقيع اتفاقيتي تمويل لمشاريع في قطاع الكهرباء والماء؛ الأولى بـ80 مليون دولار للمرحلة الأولى لمشروع إنشاء محطات نقل الكهرباء والماء لمشروع الرملي الإسكاني، حيث سيتم بناء محطتي نقل كهرباء بجهد 66 و220 كيلوفولت، ومحطة واحدة لتوزيع المياه. والاتفاقية الثانية زيادة قدرها 11 مليون دولار في قيمة اتفاقية منحة مشروع تطوير شبكات نقل المياه التي سبق توقيعها بين الجانبين في 30 ديسمبر عام 2012. وبذلك تصبح قيمتها الإجمالية 38 مليون دولار، كما شملت الاتفاقيات توفير التمويل اللازم لأعمال البنية التحتية لمشروع «مدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الطبية»، وذلك بقيمة إجمالية 44 مليون دولار.
السعودية وإحباط مؤامرة «تدويل الحج»
وحين نتحدث عن أهم إنجازات المملكة العربية السعودية في تاريخها، فإن رعاية الأماكن والديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والنجاح في رعاية الحجاج والمعتمرين والسهر على خدمة ضيوف الرحمن في موسم الحج في كل عام يظل إنجازا ومجدا وشرفا لا يدانيه أي شرف؛ لأنه قيام بأداء مهمة مقدسة تعد الأسمى في مآثر بلاد الحرمين الشريفين.
ولهذا فلم يكن غريبا أن تحاول الدول التي تعادي نهج وسياسة المملكة العربية السعودية التشكيك في القدرات السعودية على القيام بهذا الواجب الإسلامي العظيم والمهمة المقدسة الكبرى، وهو ما دأبت على محاولة القيام به السياسة الإيرانية منذ ثورة الخميني في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وحاولت باستمرار إثارة الاحتجاجات والاضطرابات في موسم الحج كل عام تقريبا، في محاولة لتدويل الحج وجعل الإشراف على الديار المقدسة تحت إشراف دولي.
وقد نجحت المملكة العربية السعودية باستمرار في إفشال هذه المخططات على الدوام، وإحباط الدعايات الرخيصة المحيطة بها، وللأسف شهد هذا العام محاولة قطرية للتشويش على الدور السعودي في التيسير على الحجاج لأداء الفريضة، والزعم أن السلطات السعودية تعرقل قيام الحجاج القطريين عن أداء فريضة الحج.
لكن مبادرة خادم الحرمين الشريفين باستعداده لاستضافة جميع الحجاج القطريين على نفقته الخاصة وتوفير طائرات سعودية لنقلهم من قطر إلى الأماكن المقدسة لأداء فريضة الحج أجهضت الدعاوى والمزاعم القطرية بشأن عرقلة الحج، وأحبطت الشكاوى القطرية لمنظمات وجهات حقوقية دولية بشأن الحج، وقد تمكن بالفعل أكثر من ألف حاج قطري من أداء مناسك الحج هذا العام، بالإضافة إلى أكثر من 80 ألف حاج إيراني استضافتهم السعودية وأدوا مناسك الحج في سكينة وسلام.
وتشير الإحصاءات هذا العام إلى أن أكثر من 3 ملايين و352 ألفًا و122 حاجًّا من 168 دولة قد أدوا بنجاح كبير جدًّا فريضة الحج، على الرغم من الزيادة العددية هذا العام بأكثر من 32%، وشمل هذا التعداد ضيوف الرحمن من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، وهو رقم قياسي ضخم يعكس الجهود الجبارة التي قامت بها السلطات السعودية لإنجاح موسم الحج هذا العام بالسهر على راحة هذا العدد الضخم من ضيوف الرحمن، وضمان أدائهم مناسك الحج في سلاسة ويُسر، وتوفير كل الخدمات المعيشية والصحية لهم في وقت مُتزامن؛ فقد أدى الحجاج مناسك الحج هذا العام بأمن وسلام، مع توافر كل ما يحتاجون إليه من سكن مناسب وطعام وشراب ووسائل نقل مريحة، وتنقل بين المشاعر بيُسر وسلامة عبر طرق سريعة وجسور مؤمنة، ووسائل اتصالات ذكية فاقت فيها أرقام المكالمات في أيام التشريق الثلاثة أكثر من 70 مليون مكالمة ناجحة داخلية وخارجية، وتم تمكين كل حاج من أداء عبادته ومناسكه، بحسب المكان وفي الزمان المحدد، بمن فيهم من كان في عجز تام أو في غيبوبة بمستشفيات متنقلة وُضعت في «منى» و«عرفات».
لا.. لتسييس الحج
ومن جانبه أعلن الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية نجاح موسم حج هذا العام، مؤكدا: «إن المليوني مسلم الذين تشرفت المملكة بخدمتهم في حج هذا العام هم شهود الله في أرضه على مستوى ما تقدمه المملكة لهم ولكل المسلمين في أرجاء المعمورة، كما أنها رسالة أخرى ملخصها أن الله أرادنا لنكون يد الإعمار لهذه الأرض، ولن نكون أبدًا أداة هدم أو تخريب».
وأكد الأمير خالد الفيصل أن «المملكة لم تمنع الإيرانيين أو غيرهم من أداء الحج، ولكن تشترط عليهم أن تكون الزيارة للعبادة فقط، وليست للسياسة، فلا تسييس في الحج، والمملكة ترفض أي استخدام لهذا الوقت في هذا المكان لأمر آخر غير العبادة».
وحول الإجراءات التي اتخذتها المملكة تجاه الحجاج الإيرانيين ودعوتهم إلى تسييس الحج، قال الفيصل خلال المؤتمر الصحفي الختامي لحج هذا العام الذي عقده في مقر الإمارة بمشعر منى: «إن الإيرانيين مسلمون، وهذه البلاد مفتوحة لجميع المسلمين لأداء الحج وأداء المناسك، ولم نمنع الإيرانيين ولم نمنع أحدًا من أي جهة كانت في العالم من أداء مناسكهم أو زيارة الأراضي المقدسة ومكة المكرمة، فهم مدعوون مثل غيرهم من المسلمين للحج ولزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء فرائضهم، ولكن نرجو من جميع من يأتي إلى هذه الأماكن أن يأتي للحج وللعبادة فقط؛ لأن هذه أرض عبادة وأرض لجميع المسلمين ليؤدوا فريضتهم ونسكهم التي فرضها الله عليهم».
من جانب آخر، وصف عدد من العلماء والدعاة حج هذا العام بالمتميز على المستويات كافة، مؤكدين نجاح حكومة خادم الحرمين الشريفين في إدارة الموسم ليؤدي أكثر من مليوني حاج نُسكهم بكل يسر وسهولة وأمان، وسط منظومة متكاملة من الخدمات. وشددوا من قلب مخيمات منى على أن المملكة أحسنت التخطيط والتنفيذ، وغلبت التعامل الإنساني مع ضيوف الرحمن، ما ألجم كل دعاة الفتنة والتسييس والتدويل.
السعودية وأمريكا وقمم الرياض التاريخية
بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز شهدت العاصمة السعودية الرياض في مايو 2017 حدثا سياسيا تاريخيا هذا العام قلما يتكرر، عندما وجَّه الملك سلمان الدعوة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاجتماع بزعماء حوالي 55 دولة إسلامية تمثل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي؛ بهدف إعادة صياغة العلاقات بين العالم الإسلامي وأمريكا والغرب، وخاصة في ظل حملات التشويه المتواصلة في السنوات الأخيرة في الغرب (أمريكا ودول أوروبا) ضد الإسلام والمسلمين ومحاولة وصم الإسلام بالإرهاب والتطرف.
وقد وفرت هذه الأجواء الفريدة الفرصة لعقد سلسلة من القمم النوعية، وهي: القمة السعودية-الخليجية، والقمة الخليجية-الأمريكية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، والقمة العربية-الأمريكية، والقمة الأمريكية-الإسلامية، بالإضافة إلى مجموعة من القمم الثنائية بين الرئيس الأمريكي وعدد من قادة العالمين العربي والإسلامي.
وتأتي أهمية هذه القمم في ضوء التدهور وسوء التفاهم الذي شاب العلاقات الأمريكية مع كثير من بلدان العالم العربي والإسلامي في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ونشير تحديدا هنا إلى حدوث أزمة في العلاقات الأمريكية مع كل من السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، والذي أظهرت فيه إدارة أوباما حرصها ورغبتها الشديدة بل واندفاعها إلى التقارب نحو إيران حتى لو كان ذلك على حساب علاقات التحالف التاريخية مع السعودية ودول الخليج العربي.
ومع مجيء إدارة الرئيس الأمريكي الجديد ترامب إلى الحكم في البيت الأبيض وإعلانه عدم قبوله الاتفاق النووي مع إيران، واصفا إياه بأنه أسوأ صفقة في التاريخ وقعتها أمريكا، ومعربا عن استعداه لتمزيق ذلك الاتفاق النووي مع إيران، فقد بدت الفرصة مواتية لإعادة التوازن في العلاقات السعودية الأمريكية من ناحية والعلاقات الخليجية-الأمريكية من ناحية أخرى.
ومن هنا تأتي الأهمية السياسية والاستراتيجية والحضارية لقمم الرياض بين أمريكا والعالمين العربي والإسلامي.
وقد صدرت عن قمم الرياض قرارات وتوصيات مهمة، لعل من أبرزها عزل إيران سياسيا وإعادة وضعها في قفص الاتهام لدورها الخطير في رعاية الإرهاب في العالم وتفجير الصراعات السياسية والطائفية في أكثر من بلد عربي وفي منطقة الخليج العربي.
وقد أعلنت القمة الإسلامية في بيانها الختامي في العاصمة السعودية الرياض، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقادة 55 دولة إسلامية، الاستعداد لتشكيل قوة من 34 ألف جندي لمحاربة الإرهاب والاستعداد لإقامة تحالف «الشرق الأوسط الاستراتيجي»، كما أعلنت القمة بناء شراكة وثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التطرف والإرهاب وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية إقليميًّا ودوليًّا.
ورحب القادة بتأسيس مركز عالمي لمواجهة الفكر المتطرف ومقره الرياض، مشيدين بالأهداف الاستراتيجية للمركز والمتمثلة في محاربة التطرف فكريًّا وإعلاميًّا ورقميًّا، وتعزيز التعايش والتسامح بين الشعوب.
وأدان القادة المواقف العدائية للنظام الإيراني، واستمرار تدخلاته في الشؤون الداخلية للدول، في مخالفة صريحة لمبادئ القانون الدولي وحُسن الجوار، مؤكدين التزامهم بالتصدي لذلك.
وأبدى القادة ارتياحهم لأجواء الحوار الصريح والمثمر التي سادت القمة وما تم التوصل إليه من توافق في وجهات النظر والرؤى والتحرك إلى الأمام حيال عدد من القضايا الدولية والإقليمية الراهنة، مؤكدين أن هذه القمة تمثل منعطفًا تاريخيًّا في علاقة العالمين العربي والإسلامي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها ستفتح آفاقًا أرحب لمستقبل العلاقات بينهم.
ومن أبرز ما جاء في قرارات قمة الرياض التاريخية ما يأتي:
بشأن الشراكة الوثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التطرف والإرهاب.
أعلنت القمة بناء شراكة وثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التطرف والإرهاب وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية إقليميًّا ودوليًّا، واتفق القادة على سُبل تعزيز التعاون والتدابير التي يمكن اتخاذها لتوطيد العلاقات والعمل المشترك، وتعهدوا بمواصلة التنسيق الوثيق بين الدول العربية والإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك لتعزيز الشراكة بينهم وتبادل الخبرات في المجالات التنموية، كما رحبت الولايات المتحدة الأمريكية برغبة الدول العربية والإسلامية في تعزيز سبل التعاون لتوحيد الرؤى والمواقف حيال المسائل المختلفة وعلى رأسها مضاعفة الجهود المشتركة لمكافحة التطرف والإرهاب.
1- أكد القادة التزام دولهم الراسخ بمحاربة الإرهاب بكل أشكاله والتصدي لجذوره الفكرية وتجفيف مصادر تمويله، واتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع ومكافحة الجرائم الإرهابية بالتعاون الوثيق فيما بين دولهم.
2- ثمن القادة الخطوة الرائدة بإعلان النوايا بتأسيس (تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي في مدينة الرياض)، والذي ستشارك فيه عديد من الدول للإسهام في تحقيق السلم والأمن في المنطقة والعالم، وسوف يتم استكمال التأسيس وإعلان انضمام الدول ال خلال عام 2018م.
3- رحب القادة بتأسيس مركز عالمي لمواجهة الفكر المتطرف ومقره الرياض، مشيدين بالأهداف الاستراتيجية للمركز المتمثلة في محاربة التطرف فكريًّا وإعلاميًّا ورقميًّا، وتعزيز التعايش والتسامح بين الشعوب.
4- رحب القادة باستعداد عدد من الدول الإسلامية ال في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب لتوفير قوة احتياط قوامها (34) ألف جندي لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا عند الحاجة، ورحبوا بما تم تحقيقه من تقدم على الأرض في محاربة «داعش»، وخاصة في سوريا والعراق، وأشادوا ب الدول العربية والإسلامية ودعمها التحالف الدولي ضد «داعش».
وبشأن التصدي للأجندات المذهبية والطائفية والتدخل في شؤون الدول، أكد القادة أهمية التعاون القائم بين الدول، والعلاقات المرتكزة على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها، حيث:
1- شدد القادة على نبذ الأجندات الطائفية والمذهبية لما لها من تداعيات خطرة على أمن المنطقة والعالم.
2- أكد القادة رفضهم الكامل ممارسات النظام الإيراني المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، واستمرار دعمه الإرهاب والتطرف.
3- أدان القادة المواقف العدائية للنظام الإيراني، واستمرار تدخلاته في الشؤون الداخلية للدول، في مخالفة صريحة لمبادئ القانون الدولي وحُسن الجوار، مؤكدين التزامهم بالتصدي لذلك.
وهنا يُلاحظ أن قمة الرياض العربية الإسلامية الأمريكية قد اتخذت قرارات واضحة ضد السياسة الإيرانية العدوانية والتوسعية والمتطرفة والداعمة للأنشطة والمنظمات الإرهابية في المنطقة والعالم، وصدق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حين وصفها بـ«رأس الإرهاب» في العالم، ولهذا من المهم للغاية توظيف واستثمار قرارات قمة الرياض لتحقيق هدفين استراتيجيين في غاية الأهمية:
الأول: محاصرة وعزل إيران إقليميا وعالميا على نحو يفشل مخططاتها وأنشطتها الإرهابية والتوسعية بعد أن أصبحت مصدرا أساسيا لخلق الأزمات والصراعات، وإثارة الفوضى والاضطراب في المنطقة والعالم؛ بسبب سياساتها في دعم الإرهاب والمنظمات المتطرفة والطائفية كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وضد أكثر من بلد خليجي.
الثاني: إعادة صياغة العلاقات بين أمريكا والغرب من ناحية والعالم الإسلامي باتجاه تصحيح المفاهيم وإنصاف الإسلام ووضع حد لحملات التشويه الإعلامية والسياسية الغربية تجاه الإسلام.
مركز «اعتدال» ومواجهة الفكر المتطرف
كان من أهم الأحداث الفكرية والسياسية التي واكبت انعقاد القمة العربية الإسلامية افتتاح الملك سلمان، بحضور الرئيس الأمريكي ترامب وجلالة الملك حمد بن عيسى وعدد من قادة العالم العربي والإسلامي، مركز «اعتدال» في الرياض، وهو مركز علمي رقمي متطور لمحاربة الفكر المتطرف، ويعد مركزا رائدا على المستوى العالمي في هذا المجال.
ويهدف المركز إلى وقف انتشار الأفكار المتطرفة؛ إذ يعتمد سياسة تعزيز التسامح ودعم نشر الحوار الإيجابي. ويعتمد المركز العالمي على نظام حوكمة رفيع المستوى، ويعمل فيه خبراء ومختصون في مكافحة التطرف الفكري، كما يرصد مركز مكافحة التطرف اللغات واللهجات الأكثر شيوعا لدى المتطرفين.
ويأتي افتتاح المركز ضمن مبادرة أطلقتها السعودية لمحاربة الإرهاب، كما يأتي افتتاح المركز ليجسد جهود السعودية الدولية لمنع انتشار التطرف؛ فقد أطلقت المملكة عدة مبادرات لمحاربة الإرهاب، كما أنشأت مراكز للقضاء على الفكر المتطرف، واستضافت الرياض في عام 2005 المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب.
وكانت السعودية أول دولة توقع على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي عام 2000؛ إذ تبذل المملكة جهودًا كبيرة لدراسة الظواهر الإرهابية، كما بادرت السعودية بإنشاء مركز لإعادة تأهيل ضحايا الفكر المتطرف.
وكانت الدول ال في تأسيس المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف «اعتدال» قد اختارت الرياض مقرًّا له، وذلك بعد افتتاحه بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته للسعودية.
وأوضح رئيس رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى أن هذا المركز هدفه السعي إلى منع انتشار الأفكار المتطرفة، وذلك عبر تعزيز التسامح والتعاطف، ودعم نشر الحوار الإيجابي، وسيقوم المركز بمراقبة أنشطة تنظيم «داعش» الإرهابي وغيره من الجماعات الإرهابية على الإنترنت.
والهدف الرئيسي من المركز يتلخص في «مواجهة انتشار النزعات المتطرفة في المجال الآيديولوجي، ودعم ترسيخ المبادئ الإسلامية المعتدلة في العالم».
ويأتي إنشاء مركز «اعتدال» العالمي لمكافحة التطرف ثمرة للتعاون الدولي في مواجهة الفكر المتطرف المؤدي إلى الإرهاب، العدو الأول المشترك للعالم، حيث قامت على تأسيسه عدة دول، واختارت الرياض مقرًّا له ليكون مرجعًا رئيسيًّا في مكافحة الفكر المتطرف، من خلال رصده وتحليله؛ للتصدي له ومواجهته والوقاية منه، والتعاون مع الحكومات والمنظمات لنشر وتعزيز ثقافة الاعتدال.
ويقوم المركز على ركائز أساسية ثلاث، هي: مكافحة التطرّف بأحدث الطرق والوسائل فكريا وإعلاميا ورقميا.
كذلك يطور المركز تقنيات مبتكرة يمكنها رصد ومعالجة وتحليل الخطاب المتطرف بدقة عالية، وجميع مراحل معالجة البيانات، وتحليلها يتم بشكل سريع لا يتجاوز 6 ثوان فقط من لحظة توافر البيانات أو التعليقات على الإنترنت، بما يتيح مستويات غير مسبوقة في مكافحة الأنشطة المتطرفة في الفضاء الرقمي.
ويعمل المركز على تفنيد خطاب الإقصاء وترسيخ مفاهيم الاعتدال، وتقبل الآخر، وصناعة محتوى إعلامي يتصدى لمحتوى الفكر المتطرف بهدف مواجهته، وكشف دعايته الترويجية.
ويضم المركز عددًا من الخبراء الدوليين المتخصصين والبارزين في مجال مكافحة الخطاب الإعلامي المتطرف على كل وسائل الإعلام التقليدية والفضاء الإلكتروني.
ويعمل المركز بمختلف اللغات واللهجات الأكثر استخدامًا لدى المتطرفين، كما يجري تطوير نماذج تحليلية متقدمة لتحديد مواقع منصات الإعلام الرقمي.
وتتشكل أهمية إنشاء المركز في أنها المرة الأولى التي تجمع دول العالم صفًّا واحدًا وبشكل جاد لمواجهة خطر التطرف؛ لما يشكله من تهديد للمجتمعات وتعريضها للخطر، وبالتالي فإنه من واجبنا أن نحارب معًا في سبيل أن ننتصر ونحمي الناس من خطرها.
رؤية السعودية 2030.. وصياغة الاقتصاد البديل
يمكن القول إن من أهم المبادرات الإصلاحية والتنموية في السعودية التي شهدها عهد الملك سلمان هو إطلاق خطة «رؤية السعودية 2030»، التي خطط لها وأشرف عليها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتأتي أهمية هذه الرؤية من كونها أول خطة علمية تتصدى بشجاعة وجرأة لفكرة صياغة المستقبل الاقتصادي البديل في مرحلة ما بعد عصر النفط.
وتزداد أهمية هذه الخطة في ضوء تراجع أسعار النفط في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تراجع الإيرادات البترودولارية العائدة من التصدير، وتوقع استمرار تراجع أسعار النفط في السنوات المقبلة في ضوء دخول منتجين جدد للنفط في السوق العالمية، وصعود ظاهرة النفط الصخري في الاقتصادات الكبرى مثل الاقتصاد الأمريكي، والتي قلصت من معدلات الطلب الأمريكي على استيراد النفط من مجموعة دول «أوبك».
يضاف إلى ذلك، وهذا متغير مهم، أن معظم الاقتصادات الكبرى شرعت في تنفيذ خطط اقتصادية مستقبلية خلال 20 أو 30 عاما، تعتمد فيها على مصادر الطاقة المتجددة والبديلة للنفط، ما يهدد بإنزال النفط من عليائه في عرش الطاقة العالمية.
وقد تم إعلان رؤية السعودية 2030 في 25 أبريل من العام الماضي 2016 تحت شعار «اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي، ووطن طموح»، لتكون هذه الرؤية بمثابة القاطرة الاستراتيجية لقيادة المستقبل السعودي إلى آفاق جديدة واعدة.
وكما أعلن ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان فإن هذه الرؤية هدفها وضع السعودية في مصاف الدول المتقدمة وجعل الاقتصاد السعودي يتبوأ المركز الـ15 على مستوى العالم بحلول عام 2030.
إن أبرز ما أحدثته هذه الخطوة هو التخطيط لإحداث تحول تاريخي في بنية الاقتصاد السعودي بتهيئة الأجواء والسياسات والإمكانيات للانتقال من مجتمع يعتمد على النفط في موارده وإيراداته وعوائده إلى مرحلة مجتمع ما بعد النفط، وكما أكد المسؤولون السعوديون فإن مهمة هذه الخطة أن تمكن المجتمع السعودي من العيش والتقدم والازدهار من دون النفط عبر بلورة اقتصاد عصري منتج بديل في كل الأنشطة والمجالات.
والملاحظ أن رؤية 2030 تعطي اهتماما بالغا لقطاع التعليم وتطويره، والاهتمام بتجهيز كوادر متعلمة تعليما رفيعا؛ لأن الاستثمار في العنصر البشرى هو أفضل استثمار، وهو المحرك لإنتاج ثروات متجددة في المجالات كافة.
وقد أعطى موقع «يو إس نيوز» الأمريكي التعليم في السعودية المرتبة الأولى عربيا، والمرتبة الـ37 على مستوى العالم من حيث جودة التعليم العام الماضي، وذلك باعتماد ثلاثة معايير هي: مستوى تطور النظام التعليمي العام، استعداد الطلبة لتلقي تعليمهم الجامعي بالدولة، وجودة الجامعات.
وفي هذا السياق يشير وزير التعليم العالي السابق الدكتور خالد العنقري إلى أن «هناك 150 ألف مبتعث ومبتعثة موزعين على أكثر من 30 دولة منذ الانطلاقة الأولى لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي عام 1426هـ، وتخرج في هذا البرنامج نحو 55 ألف طالب وطالبة» (موقع وزارة التعليم). وعلى سبيل المثال، يشكل طلاب المملكة العربية السعودية ثالث أكبر مجموعة طلاب دوليين في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويعد هذا البرنامج برنامجا رائدا من جانب القيادة السعودية، وهو أحد البرامج التي أطلقتها ضمن مجموعة من البرامج في الاستثمار المعرفي وبناء الشخصية التعليمية، ومما لا شك فيه أن نتائجه ستكون بكل المقاييس مثمرة وبناءة على المدى الطويل ورافدا قويا في بناء جيل متعلم تعليمًا متطورًا، ويمتلك قدرات هائلة ومكتسبة من مدارس وثقافات شعوب أكثر من 30 دولة.
والأمر المتوقع أن يُحدث هذا الجيل من خريجي الجامعات العالمية في إطار برنامج خادم الحرمين الشريفين ثورة إدارية في كل أجهزة الدولة السعودية تقودها إلى مواكبة العصر والتناغم مع التحولات العالمية والقفزات التكنولوجية وتحديث وتيرة الأداء الاقتصادي السعودي، بما يقود في النهاية إلى صياغة اقتصاد سعودي معرفي جديد ومتطور، وإنتاجي يقلص الاعتماد على عوائد النفط ويقتحم مجالات إنتاجية جدية تفوق عوائدها الصادرات النفطية.
وبات الاقتصاد السعودي يحتل مكانة عالمية بارزة جعلته يصبح عضوا في مجموعة دول العشرين، وهي المجموعة التي تضم كبرى اقتصادات دول العالم، بالإضافة إلى أنها بلورت رؤية وطنية واضحة الأهداف والمعالم، حُدّد إطارها الزمني في الخطة المرسومة ضمن رؤية السعودية 2030.
وهكذا، يمكن القول إن المملكة العربية السعودية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وبمعاونة صادقة من ولي عهده القيادة الشابة الأمير محمد بن سلمان تقود سلسلة من المبادرات والسياسات التي تترجم الدور القيادي للسعودية في العالمين العربي والإسلامي، تواكب ذلك خططٌ اقتصادية واستثمارية لتطوير الاقتصاد السعودي، بما يعزز من المكانة العالمية للسعودية كواحدة من أكثر الاقتصادات تطورا ونموا متسارعا وقدرة على التكيف مع الثورات التكنولوجية والمعرفية والمعلوماتية التي يشهدها عالم اليوم.