الميتافيرس أو “الكون الماورائي” هو مفهوم قادم من عالم الخيال العلمي، يتخيَّله العديد من الأشخاص في صناعة التكنولوجيا خليفةً للإنترنت اليوم. إنه مجرد رؤية في هذه المرحلة، لكن شركات التكنولوجيا مثل فيسبوك تهدف إلى جعله مكانا للعديد من الأنشطة عبر الإنترنت، بما في ذلك العمل واللعب والدراسة والتسوُّق.
ففي هذا العقد الجديد، سيتواصل الناس اجتماعياً في عوالم افتراضية تطورت من الألعاب بدلاً من منصات التواصل الاجتماعي التقليدية مثل “إنستجرام” و”تويتر” و”تيك توك”. سيصبح بناء الأشياء مع الأصدقاء في عوالم افتراضية أمراً شائعاً، وستصبح الأحداث الكبرى في العوالم الافتراضية الأكثر شعبية، وستطغى كلمات مثل “ميتافيرس” على حديث الناس.
“ميتافيرس” مساحة افتراضية حيث يمكن للبشر المرتبطين بالعالم المادي العمل باستخدام الصور الرمزية التي تعمل بالواقع الافتراضي والمعزز وتوجد في كلا المكانين، بحيث يفقدون الاتصال بما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، إذ يمتزج العالمان الحقيقي والافتراضي إلى حد الاندماج.
وصف مارك زوكربيرج الـ”ميتافيرس” بأنه “إنترنت متجسد”، وهو في الأساس نسخة مطورة من الإنترنت حيث يمكن أن تكون للناس “تجارب مختلفة لا يمكن القيام بها بالضرورة على تطبيق ثنائي الأبعاد أو صفحة ويب”.الاختلاف الأبرز بين الإنترنت و”ميتافيرس” هو “التواجد”، أي الشعور بأنك تتفاعل جسدياً مع الأماكن والأشخاص بدلاً من مشاهدتها من النافذة. ويمكن أن ينطبق هذا على جمع زملائكم في العمل حول طاولة افتراضية في خدمة مثل “فيسبوك هورايزن”، بدلاً من “زوم” كما هو عليه الحال الآن.
ومن المفترض أن يتيح الـ”ميتافيرس” زيادة التفاعلات البشرية عبر الإنترنت من خلال تحريرها من القيود المادية، بفضل تقنيتي الواقع الافتراضي والواقع المعزز خصوصاً. فهو يمكن أن يوفر مثلاً إمكان الرقص مع أشخاص على بعد آلاف الكيلومترات، وشراء أو بيع سلع أو خدمات رقمية لم يتم بعد اختراع الكثير منها.
في علم الكونيات، استُخدم مصطلح “ميتافيرس” (metaverse) أحيانا اختصارا لـ “meta-universe”، ويعني كونا من الأكوان، الذي قد يكون عددا لا نهائيا. ومع ذلك، فإن المعنى التكنولوجي مُستمَد من رواية “Snow Crash” التي كتبها نيل ستيفنسون عام 1992، الذي عرَّف الميتافيرس على أنه مساحة افتراضية مشتركة عملاقة تتكوَّن من جميع الحقائق الافتراضية والواقع المعزز والإنترنت. كما قال مارك زوكربيرج مؤخرا: “هدفنا الشامل هو المساعدة في إعادة الحياة إلى ما وراء البحار”.
ودشّنت مجموعة من سبعة مستشارين من مختلف الصناعات، بما في ذلك الصحافة والألعاب، صندوقاً للتداول في بورصة نيويورك يكون سلّة من الأوراق المالية التي يتم تداولها مثل الأسهم، تجمع الشركات التي قد تكون الأفضل لوضع بناء “ميتافيرس”.وكان الرئيس التنفيذي لشركة “إيبيك جيمز”، تيم سويني، صريحاً في نيته أن تصبح لعبة “فورتنايت” جزءاً كبيراً من “ميتافيرس”. وفي الوقت نفسه، طرحت منصة الألعاب “روبلوكس” التي سمحت لجيل من اللاعبين بإنشاء عوالم وتجارب افتراضية خاصة بهم.وفي الصين، تمتلك “تينسنت”، التكتل التكنولوجي الذي يمتلك حصصاً كبيرة في شركات الأفلام واستوديوهات الألعاب، محفظة متنوعة تشمل استثمارات في Epic Games.ويوصف تطبيق “وي تشات” أصلاً بأنه “ميتافيرس ثنائي الأبعاد”، وهو مكان يمكن للعملاء فيه فعل أي شيء عملياً. يمكن للمستخدمين التواصل الاجتماعي والتسوق والإبداع والدفع مقابل الأشياء في العالم الحقيقي والتواصل من أجل العمل، يذكّر موقع “نازداك”.وعلى “ديسنترالاند”، وهي منصة على الإنترنت تعتبر واحدة من رواد “ميتافيرس”، أصبح من الممكن الآن الحصول على وظيفة مدير لعبة في كازينو افتراضي.وأبدى كثيرون، بينهم الرئيس التنفيذي لشركة “مايكروسوفت” ساتيا ناديلا، اهتماماً كبيراً بـ”ميتافيرس”، ونيتهم الإنفاق والاستثمار في هذا المجال.
وشرع عشاق “ميتافيرس” في شراء أرضٍ افتراضية بشكل يشبه ذلك التزاحم القديم على أسماء النطاقات في الأيام الأولى للإنترنت. يوجد حالياً بضعة آلاف من مالكي الأراضي على المنصات الرئيسية القائمة على البلوكشين.نظريتهم هي أنه مع تجمع المزيد من الناس في هذه البيئات، ستكون قطع الأراضي في المواقع المركزية مطلوبة للغاية بسبب حجم الزيارات. هذه الأماكن سوف تجتذب المزيد من الاهتمام، ويمكن تحقيق الدخل منها بعدة طرق مختلفة كما يؤكد الخبراء. حتى الآن، هناك عدد قليل نسبياً من الأشخاص الذين يدفعون المال مقابل الأراضي في هذه العوالم، لكنهم ماضون نحو الارتفاع.وتعمل الألعاب اللامركزية على ما يسمى “العب لتكسب”، حيث تتم مكافأة الألعاب بأصول داخل اللعبة. للاعبين أيضاً سيطرة وملكية على أصولهم، إذ تزداد قيمة هذه الأصول كلما لعبوا اللعبة أكثر. يشكّل هذا صلب فكرة “ميتافيرس”. وحققت فكرة “العب لتكسب” في ألعاب مثل Axie Infinity عائدات تصل إلى ما يقرب من 250 مليون دولار في غضون ثلاث سنوات. وهناك Star Atlas وMOBOX وIlluvium التي تمثل أمثلة أخرى على المشاريع اللامركزية التي تم إنشاؤها من أجل “ميتافيرس”، بالإضافة إلى منصات أخرى لليانصيب والتسوق وغيرها.
اما “أن إف تي” (non-fungible tokens) هو أسلوب تشفير عبر الرموز غير القابلة للاستبدال، يمكنه منح شهادة تثبت أصالة أي منتج رقمي سواء أكان صورة أو رسماً تعبيرياً أو فيديو أو مقطوعة موسيقية، أو مقالة صحافية أو سوى ذلك.و”أن إف تي” طريقة لتسجيل من يملك سلعة افتراضية معينة، وإنشاء ونقل السلع الافتراضية هو جزء كبير من “ميتافيرس”. وبالتالي فإن”أن إف تي” هي بنية مالية مفيدة محتملة لـ”ميتافيرس”. بعبارات أكثر عملية: إذا اشتريت قميصاً افتراضياً من محل في “ميتافيرس”، فيمكن لـ”أن إف تي” إنشاء إيصال دائم والسماح باسترداد نفس القميص للمحل.
وتعتزم من أجل ميتافيرس توظيف 10 آلاف شخص من دول الاتحاد الأوروبي في السنوات الخمس المقبلة، للعمل على تطوير العالم الرقمي الموازي الذي يطمح إلى تحقيقه مؤسس الشبكة الاجتماعية الأمريكية العملاقة ورئيسها مارك زوكربيرج.