منذ خمس سنوات تحديدًا، وفي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول عام 2011م توفي أيقونة شركة آبل وأحد المؤسسين الثلاثة «ستيف جوبز». وفي حقيقة الأمر، فستيف جوبز هو شخصية جدلية للغاية، يرى البعض أنه قد غيّر العالم بإدارته لشركة آبل، والبعض الآخر يراه مجرد محتال آخر.
في مسلسل «مستر روبوت» وحينما حاول «رامي مالك» (إليوت في المسلسل) تلخيص مشكلته مع العالم وهو يحاور طبيبته النفسية، بدأ كلامه:
في الذكرى الخامسة لستيف جوبز أعتقد أنه حان الوقت لنراه كما هو، كإنسان فشل أحيانًا و نجح أحيانًا أخرى، دافع عن بعض القيم ولم يتمسك ببعض القيم الأخرى، مجرد بشري قدّم للعالم تجربة ثرية، وعلينا أن نتناولها بالدراسة والنقد والتحليل. في هذا التقرير سنحاول أن نسرد بعض الجوانب التي لم يتحدث عنها الكثير حول شخصيته، لنكرّم ذكراه تكريمًا هامًا للغاية، وهو النظر إليه كإنسان طبيعي مثلنا مرة أخرى.
قام «ستيف جوبز» مع «ستيف وازنياك» وهما في بدايتهما بالتعاقد مع شركة الألعاب الإلكترونية الكبرى «أتاري» لبرمجة لعبة بريك أوت الأشهر، اتفق الطرفان على اقتسام المبلغ مناصفة، قام ستيف ويزينياك بالعمل الشاق بالكامل، كان مسئولاً عن تطوير اللعبة على مستوى الكود والهارد وير، بينما كان جوبز مسئولًا فقط عن عقد الصفقة، قام جوبز بالاحتفاظ بآلاف الدولارات عن هذه الصفقة وخدعويزينياك وأقنعه أن نصيبه هو ثلاثمئة دولار فقط.
تحكي لنا هذه القصة ببساطة عن أنانية ستيف جوبز وكيف أنه لم يكن يمانع استغلال اقرب شركائه على حساب شخصه. الأمر يتكرر على تاريخ ستيف جوبز، لم يقم ستيف جوبز بكتابة سطر برمجي واحد خلال تاريخ تواجده مع آبل، الشخص الذي يُنسب له الفضل في صناعة آيفون وأجهزة الماك لم يقم لا ببرمجة ولا بإعداد أية أجهزة، كان يعيّن نفسه كمدير، يستغل من حوله ليخرج أفضل ما لديهم وينسب الفضل لنفسه في النهاية.
حين تحاول شراء هاتف ذكي أو جهاز كمبيوتر شخصي جديد، وتحتار بين منتجات آبل ومنتجات الشركات الأخرى قد تتعجب لارتفاع أسعار آبل الجنوني، فنفس الهاتف الذي يحمل نفس إمكانيات ومواصفات الآيفون، وربما أفضل، قد يكون بنصف الثمن فقط. وحين تسأل عن السبب ستسمع بعض الأساطير التي لا أساس لها من الصحة عن أفضلية جهاز آيفون؛ مثل أنه لا يتعطل، والحقيقة أن جميع الأجهزة الإلكترونية تتعطل مع الاستخدام والوقت.
لماذا أجهزة آبل هي الأغلى إذن؟؛ إنها ببساطة خدعة تسويقية، تسمى هذه الإستراتيجية «cream skimming» وهي إستراتيجية تعني استهداف الفئة الأغنى في السوق وعدم الاعتماد على بيع الكثير من الوحدات، لكنْ بيع عدد محدود من الوحدات بأرباح خيالية في كل وحدة؛ ولذلك فإن سامسونج هي الهواتف الأكثر مبيعًا في العالم، ولكن أرباح ساسمسونج لا تقارن بأي حال من الأحوال بأرباح آبل.
كان ستيف جوبز عبقريًا في التسويق؛ لشركته ولنفسه. فهم جوبز جيدًا أن أفضل أنواع التسويق هو خلق الأساطير حول المنتج، بمعنى أن يتناقل الناس أساطير، ربما لا أساس لها من الصحة، حول المنتج و يتحدثون عنها؛ ولذلك فإن فلسفة آبل في التسويق لمنتجاتها كانت ولا زالت دائمًا هي منع الأشخاص والسوق من معرفة الكود المصدري، وإحاطة جميع الأجهزة بالغموض. ستلاحظ عند شرائك الآيفون أنك لا تستطيع حتى رؤية مكان البطارية، وكذلك الأكواد؛ وذلك في جزء كبير منه حتى لا يمنع الناس من التحدث عن الأساطير التي يحملها ذلك الجهاز.
استطاع ستيف جوبز استخدام نفس الخدع التسويقية لإبراز نفسه. يمكنك أن تلاحظ من طريقة كلامه في المؤتمرات، يتحدث بشكل غير طبيعي، يعرف أن هذا سيعلق بأذهان الناس، وحتى في مظهره. لماذا يظهر ستيف جوبز بنفس التيشيرت الأسود دائمًا؟؛ لأنه لا يهتم بمظهره الخارجي ولأنه لا يريد أن يضيع وقته في اختيار ملابسه، ولأنه يؤمن أن الجوهر أهم من المظهر؛ لذلك فهو يرتدى دومًا تيشيرت أسود بسيطًا وغير مكلّف على الإطلاق، أليس كذلك؟ لكنك بمراجعة الشركة المصنعة لذلك التيشيرت ستجد أن سعر هذا التيشيرت هو 157 دولار أمريكي. ثمن التيشيرت الواحد هو قرابة 1300جنيه مصري وفقًا للسعر الرسمي للدولار، يبدو أن التشيرت لم يكن بهذه البساطة أبدًا.
كان ستيف جوبز بشهادة كل من حوله لا يهتم حقًا بسعادة موظفيه، ربما تستطيع ملاحظة ذلك في تصميم مقر آبل الرئيسي، فهو على عكس مقرات جوجل و فيسبوك التي تمتلئ بأدوات التسلية الخاصة بالموظفين، مقر آبل لا يحمل كل تلك الأدوات الترفيهية. يتضح الأمر أكثر مع الاستماع لحوادث قام فيها ستيف جوبز بالضغط على موظفيه لإنتاج الأفضل للحد الذي دفع بعضهم لمحاولة الانتحار.
في الاجتماع الأول بين ستيف جوبز والمهندسين المسئولين عن تطوير أول نسخة من جهاز آي بود (Ipod)، كان ستيف جوبز غير مرتاح من حجم الجهاز، أخبر المهندسين أنه كبير للغاية، وأن عليهم العمل على تصغير حجمه. حاول فريق المهندسين المجادلة أن الجهاز لا يمكن أن يكون أصغر، فأخذ جوبز النسخة الأولية من الآيبود التي أنفق هذا الفريق شهورًا من عمره لإنتاجها وألقاها في حوض السمك الذي يمتلكه في مكتبه أمام أعين الفريق، وقال لهم: «انظروا، هنالك فقاعات هواء تخرج بينما يغرق الجهاز، هذا يعني أن هناك مساحات فارغة في الداخل، اعملوا على إزالتها».
مرة أخرى اجتمع ستيف جوبز مع الفريق المسئول عن Mobile me التي تحولت فيما بعد إلى Icloud، وكان الاجتماع قصيرًا. سأل ستيف جوبز رئيس الفريق: ما هي وظيفة موبيل مي؟، فشرح رئيس الفريق وظيفة البرنامج، فسأله جوبز بلهجة مهينة للغاية : «لماذا إذن بحق الجحيم لا يقوم البرنامج بهذا، و قام بعدها بطرد رئيس الفريق نفسه».
لابد أنك تتصور الآن أن مثل تلك التصرفات ستعطي جوبز سمعة سيئة، ولكن ذلك غير صحيح. فجوبز كخبير في التسويق يعرف تمامًا ما الذي يمكنه فعله لتجنب ذلك؛ «اخلق أسطورة». عندما كانت سكرتيرة جوبز متأخرة عن عملها بسبب عطل في سيارتها قام بإعطائها مفتاح سيارة جاكوار وقال لها: «هذه سيارة جديدة، لا تتأخري مرة أخرى». يعرف جوبز أن العالم سيحب خبرًا عن ملياردير أعطى سيارة قيمتها مئات الآلاف من الدولارات لسكرتيرة فقط لكي لا تتأخر مرة أخرى، تناقل العالم القصة بجنون وأصبحت هذه الحادثة اليتيمة معادلاً لكل الحوادث الأخرى التي عامل فيها جوبز موظفيه بقسوة؛ ولذلك إذا ما بحثت على أي محركات بحث عن علاقة ستيف جوبز بموظفيه، لن تجد إلا هذه القصة وستجد بصعوبة بالغة بقية القصص.
دائمًا ما يحدثنا ستيف جوبز عن رغبته العارمة في تغيير العالم، لكن يصعب علينا تحديد لأي شيء يريد تغييره؟. كانت فلسفة جوبز مع آبل تعتمد على إمداد السوق بما يريده لا بما يحتاجه، كان جوبز يشرح كيف يتم تطوير المنتجات في آبل ويقول: «لا نقوم في آبل بالجلوس مع مهندسينا ونرى ما يمكنهم فعله و تطويره، ومهما كان مفيدًا ومذهلًا لا نهتم. نقوم ببساطة بالاستماع إلى السوق أولاً ثم تنفيذ ما يريدونه».
في الحقيقة أن هذه الفلسفة مخيفة لأقصى درجة، فإذا كانت آبل تستطيع تقديم شيء مفيد حقًا للبشرية، لن تفعل، لماذا؟؛ لأن السوق لا يريده ولن تحقق من ورائه أرباحًا، لا تصدق كلامي؟ استمع إلى ستيف جوبز بنفسه وهو يقول ذلك.
كان ستيف جوبز مليارديرًا مهووسًا بحق، يتعاطى مخدر LSD بشكل دوري، يدخن الماريجوانا، لكن هذه أمور شخصية طالما أنها لا تضر غيره. إلا أننا سنبدأ الشك في نمط حياة جوبز حين نعرف أنه كان بمقدوره العيش أكثر بعد تشخيصه بمرض السرطان؛ إلا أنه بدلاً من قبول التدخل الجراحي لإزالة السرطان بدأ نظامًا غذائيًا يعتمد على الفواكه فقط، وبدأ علاجًا بالإبر الصينية، وظن أنه يستطيع قهر السرطان بتلك الطرق. ستذهل أيضًا حينما تعرف أن جوبز اعتاد استشارة عرّاف في بعض الأمور، وأنه رفض عملية زراعة كبد له من «تيم كوك» الرئيس التنفيذي الحالي لآبل حيث أنهما يتشاركان نفس فصيلة الدم النادرة. لم يرد ستيف جوبز فعل هذا، وفضّل أن يموت كأسطورة، وشخصية خلافية ما زلنا اليوم بعد خمس سنوات من رحيلها نحاول النبش في تاريخها وتحليله واستخلاص الدروس والعبر.
المراجع