• Arabic

كيف تستقي "سي آي أي" معلوماتها عن استعدادات روسيا للحرب في أوكرانيا؟

لم تعد الأقمار الاصطناعية العسكرية أو الجواسيس على الأرض هما الوسيلة الأساسية والوحيدة لجمع المعلومات حول استعدادات الجيوش للحرب كما كانت الحال في الماضي، إذ تلعب التكنولوجيا دوراً حيوياً في جمع وتحليل المعلومات وفي نفس لحظة حدوثها، وهو ما تعتمد عليه الولايات المتحدة عندما تتحدث عن استعدادات القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، فما هي أبرز وسائل التكنولوجيا التي تُستخدم في مثل هذه الحالات؟ وهل أصبحت الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي جزءاً منها؟

مراقبة كل تحرك

بعد ثماني سنوات فقط من التوغل الروسي في شرق أوكرانيا وغزو شبه جزيرة القرم، عادت القوات الروسية مرة أخرى إلى التعبئة على طول الحدود الأوكرانية، وظلت الولايات المتحدة تراقب على مدى أشهر ليس فقط عديد القوات التي تتكدس على الحدود، ولكن أيضاً أين تتمركز وما تفعله روسيا بمعداتها مثل الدبابات التي ستكون مركزية في أي غزو بري، حيث يشير مسؤولون أميركيون إلى أن إحدى الدلائل إلى أن الجيش الروسي يستعد لغزو، هو متى يحركون الدبابات على الحدود، وكيف يشغلونها، فإذا قاموا بتشغيلها وإيقافها باستمرار فهذا يعني أن الدبابات ستكون جاهزة للانطلاق بسرعة، كما راقبت الاستخبارات الأميركية معلومات أخرى حول استعدادات المستشفيات ومراكز الطوارئ الروسية قرب الحدود الأوكرانية، وكذلك الدفع بكميات من الدم إلى مناطق متقدمة من الحدود، فضلاً عن مراقبة الطقس في أوكرانيا ودرجات الحرارة الأكثر برودة والتضاريس المتجمدة في الوقت الحالي، والتي تجعل التوغل الروسي أسهل لحركة الدبابات والمعدات الثقيلة.

وخلال الساعات القليلة الماضية اتخذت القوات الروسية خطوات أخرى مثيرة القلق، بالتحرك إلى مواقع الهجوم بحسب ما أوضح مسؤولون أميركيون لشبكة "سي بي أس"، فقد نقلت روسيا قاذفات الصواريخ وقطع المدفعية بعيدة المدى إلى مواقع إطلاق النار بعدما كانت تتجمع وتصطف في أماكن محددة، كما أضاف الروس مزيداً من الدعم اللوجستي لقواتهم، إضافة إلى أسلحة هجومية ودفاعية إضافية، ما يعزز توقعات واشنطن بأن موسكو ستهاجم أوكرانيا خلال أيام، ولكن كيف تحصلت الولايات المتحدة على كل هذه المعلومات؟

فضل التكنولوجيا

بينما تراقب الولايات المتحدة وحكومات أخرى في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أنشطة روسيا وتحدد على أساس ذلك تفاعلاتها وردودها السياسية المناسبة، فإن المعلومات الاستخباراتية الفورية التي يعتمدون عليها لم تعد تأتي فقط من أقمار التجسس الاصطناعية التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات أو من الجواسيس على الأرض، بل أيضاً من وسائل التواصل الاجتماعي والبيانات الضخمة والهواتف الذكية والأقمار الاصطناعية التجارية منخفضة التكلفة، والتي أصبحت جميعها تحتل مركز الصدارة في جمع وتحليل المعلومات وقت حدوثها، وأصبح مسح تغريدات "تويتر" وتحليلها مهماً مثل أي شيء آخر في مجموعة أدوات تحليل المعلومات الاستخباراتية، كما سمحت هذه التقنيات أيضاً للمؤسسات الإخبارية بمتابعة ما يجري على أرض الواقع والمساهمة في تحليل الأحداث.

خلال الأيام الثلاثة الماضية، أظهرت فيديوهات التقطها عامة الناس ونشروها على منصات التواصل الاجتماعي وبخاصة موقعي "تيك توك" و"إنستغرام"، قطارات تحمل دبابات ومعدات عسكرية أخرى، وهو ما استخدمه محللون متخصصون لمعرفة نوعية هذه الأسلحة وإلى أين تنقلها روسيا، فعلى سبيل المثال، استخدمت مجموعة "روشان" الاستشارية البولندية المتخصصة في تحليل قوات روسيا وأوكرانيا وبيلاروس، العديد من هذه الصور لتحليل التحركات العسكرية ولمعرفة الخطط السرية الروسية، وعبر كونراد موزيكا مدير المجموعة لشبكة "أن بي سي" الأميركية، عن اعتقاده بأن الروس يواصلون دعم قدراتهم العسكرية لتنفيذ عملية استراتيجية ضد أوكرانيا.

مصادر متاحة للجميع

وفي وقت تواصل الحكومة الأميركية على مدار الساعة، تنفيذ عمليات حساسة لجمع المعلومات الاستخباراتية بميزانية ضخمة من مجتمع الاستخبارات والتي تجاوزت عام 2021 مبلغ 84 مليار دولار، فإن كميات هائلة من المعلومات القيمة أصبحت متاحة لعامة الناس، وهي معلومات لا يتم جمعها كلها من قبل أجهزة حكومية، فقد سمح التطور التكنولوجي وانخفاض أسعار الأقمار الاصطناعية وطائرات "درون" الصغيرة خلال العقد الأخير، للشركات الخاصة بتشغيل أقمار اصطناعية تجارية وطائرات "درون" تجمع الصور والفيديوهات والمعلومات، كما أصبح كل شخص تقريباً يحمل هاتفاً ذكياً بقدرات متقدمة للصور والفيديو.

ومن خلال المعلومات التي يتم الحصول عليها من قبل الشركات التجارية والأفراد، يمكن لأي شخص الوصول إلى حقائق المواقف العسكرية لروسيا عبر البحث على شبكة الإنترنت، وتنشر شركات التصوير التجارية صوراً حديثة جداً ودقيقة جغرافياً للقوات العسكرية الروسية، وتراقب العديد من وكالات الأنباء الوضع من خلالها، وتقدم تقاريرها بشكل منتظم استناداً لهذه الصور والبيانات بعد تمحيصها والتأكد منها عبر خبراء متخصصين، كما يتتبع المحققون والشركات الأمنية الخاصة تدفق هذه المعلومات مفتوحة المصدر بشكل مستمر، الأمر الذي يعد نعمة كبيرة لأجهزة الاستخبارات، إذ يعمل المحللون المتخصصون الحكوميون على تقييم المعلومات التي يتم الحصول عليها من الإنترنت بدلاً من الاعتماد بشكل أساسي فقط على أنظمة سرية أو أجهزة استشعار باهظة الثمن في الجو أو في الفضاء.

كيف تستقي

نماذج مهمة

ويوفر بعض مستخدمي الإنترنت، الذين لا يفصح بعضهم عن هويته، أدوات ومعلومات متاحة مجاناً، مثل تحديد الموقع الجغرافي للقوافل العسكرية أو تتبع مسار الطائرات الحربية في وقت تحركها نفسه فوق البحر الأسود أو تحديد نماذج المركبات المدرعة، ومن بين هؤلاء المستخدمين الأكثر شهرة هذه الأيام، "إلينت نيوز" على موقع "تويتر"، الذي يتابعه 113000 شخص يتزايدون باستمرار، ويمكن العثور عبر هذا الحساب على صور الأقمار الاصطناعية للمعسكرات الروسية، والمعدات المنقولة على السكك الحديدية، وصور طائرات هيلوكوبتر، فضلاً عن معلومات أخرى وخرائط عن الجماعات المسلحة التابعة لإيران أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشارك مستخدم آخر على الإنترنت النتائج التي يتوصل إليها ضمن حساب يدعى "كووبشور" على "تويتر" والذي يتابعه أكثر من 34000 شخص، وكان من أوائل الحسابات التي كشفت عن نشاط وتحركات القوات الروسية في قاعدة "كلينتسي" في منطقة "بريانسك أوبلاست"، على بعد أقل من 50 كيلومتراً من أوكرانيا خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والذي ساعد القائمون عليه في إنتاج شريط فيديو أخيراً لصالح صحيفة "لوموند" الفرنسية حول حشد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا.

الاستخبارات مفتوحة المصدر

ووفقاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أي"، فإن الاستخبارات مفتوحة المصدر هي معلومات استخباراتية مستمدة من المواد المتاحة للجمهور العام والتي يتم جمعها من الإنترنت ووسائل الإعلام والمجلات المتخصصة والبحوث والصور والمعلومات الجغرافية المكانية بهدف إنتاج معلومات استخباراتية يمكن توظيفها والاستفادة منها، ويشمل ذلك جمع وتقييم وتحليل المعلومات التي تتناولها تقارير إخبارية ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع فيديو على "يوتيوب" وصور الأقمار الاصطناعية التجارية.

وتُستقى هذه المعلومات من مصادر غير سرية، ويمكن الوصول إليها من دون مهارات أو أدوات متخصصة، على الرغم من أنها يمكن أن تشمل المصادر المتاحة فقط للمشتركين، ولا تتطلب الاستخبارات مفتوحة المصدر، اختراق الأنظمة أو استخدام بيانات الدخول الخاصة للوصول إلى البيانات.

وتعد الاستخبارات مفتوحة المصدر منخفضة المخاطر ورخيصة وفعالة للغاية في كثير من الأحيان، بحسب ما يقول كاميرون كولكوهون الخبير في شؤون الاستخبارات، الذي أوضح أن الاستخبارات مفتوحة المصدر بدأت منذ فترة طويلة، وكانت تركز على الصحف والمجلات ووسائل الإعلام الأخرى المسموعة والمرئية لتتبع الخطط والأنشطة العسكرية والسياسية والاقتصادية للخصوم المحتملين، لكن الاهتمام بها ضعف نسبياً بعد الحرب العالمية الثانية، وركزت وكالات الاستخبارات بشكل أكثر قوة على التجسس باستخدام البشر والوسائل الإلكترونية الأخرى، ولكن مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، والأدوات التي يمكنها فحص كميات هائلة من المعلومات، أصبحت الاستخبارات مفتوحة المصدر الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى.

وخلال السنوات الأخيرة، طورت مجتمعات الاستخبارات والوكالات الحكومية أفضل الممارسات للمعلومات الاستخباراتية من المصادر المفتوحة، فقد استخدم المحللون أدوات حديثة لتطوير برامجهم ومخططات الشبكة، فعلى سبيل المثال، ساعدت هذه البرامج في اكتشاف منظمات إجرامية عن طريق البحث في السجلات المالية المتاحة للجمهور بحثاً عن نشاط إجرامي، كما استخدم المحققون الخاصون أساليب المعلومات مفتوحة المصدر لدعم إنفاذ القانون واحتياجات الشركات والحكومة.

التعلم الآلي

وعلى الرغم من توفير كميات هائلة من البيانات والمعلومات المتاحة من عموم الناس، إلا أن تصنيف وتحديد وغربلة المعلومات المفيدة ذات الصلة تعد مهمة صعبة، بخاصة عندما يمكن التلاعب في كثير من البيانات بشكل متعمد بهدف الخداع، الأمر الذي يعقد المهمة، لكن الأدوات وبرامج الكمبيوتر المتطورة القادرة على التعامل مع ملايين المعلومات وتحليلها بسرعة، ساهمت في تجاوز كثير من الصعاب.

وبينما تساهم المعلومات مفتوحة المصدر في زيادة حجم المعلومات التي يتعين على محللي الاستخبارات التعامل معها لفهم التدفق المستمر للبيانات والمعلومات الأولية الغامضة، إلا أن التعلم الآلي، وهو مجموعة من التقنيات التي تسمح لأجهزة الكمبيوتر بتحديد الأنماط في كميات كبيرة من البيانات، أثبت أنه لا يقدر بثمن في معالجة المعلومات مفتوحة المصدر، وبخاصة الصور ومقاطع الفيديو، فقد اتضح أن أجهزة الكمبيوتر أسرع بكثير في غربلة وتصنيف مجموعات البيانات الكبيرة، لذا باتت أدوات وتقنيات التعلم الآلي لتحسين أداء الاستخبارات مفتوحة المصدر لا غنى عنها.

مقالات ذات صلة

المواد الساخنة