قال موقع "ذي أتلانتيك" في مقال للكاتب دافي فروم، إن البنك المركزي الأوروبي أشهر سلاحه الأقوى في وجه الغزو الروسي لأوكرانيا، متسائلا: "هل سيتمكن بوتين من التعافي من العقوبات؟".
وأضاف الموقع فيمقال ترجمته "عربي21"، أن عقوبات البنك المركزي صارمة جدا لدرجة أنها مدمرة، والسؤال الوحيد هو عن "ما إذا كانت هذه العقوبات قد تؤدي إلى أضرار تفوق بكثير ما قد تتمناه الحكومات الغربية".
وتابع بأن بوتين شن حربه ضد أوكرانيا جزئيا لأنه يرغب في تثبيت وضع روسيا كقوة عظمى، أي إنها حرب الغاية منها استعادة مكانة روسيا العظمى. ولكن يبدو أنه لم يدرك أن العنف شكل واحد من أشكال القوة، وأنه ليس العامل الأكثر حسما في نهاية المطاف.
وتاليا المقال الذي ترجمته "عربي21":
أعلنت المفوضية الأوروبية أن البنك المركزي الأوروبي يشهر أقوى سلاح مالي لديه في وجه العدوان الروسي. وأعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يفرض عقوبات خاصة به على البنك المركزي الروسي. عقوبات البنك المركزي صارمة جدا لدرجة أنها مدمرة، وفي الحقيقة فإن السؤال الوحيد المتبقي هو ما إذا كانت ستفضي هذه العقوبات إلى أضرار تفوق بكثير ما قد تتمناه الحكومات الغربية. وذلك أن بإمكانها أن تؤدي إلى إفلاس النظام المصرفي الروسي وتحول الروبل، العملة الروسية، إلى عملة بلا قيمة. وستتلقى روسيا ضربة سوف تقصيها جزئيا عن نظام سويفت. وسويفت عبارة عن تقنية مراسلات تتخذ من بلجيكا مقرا لها، تتيح للبنوك التخاطب فيما بينها بطرق آمنة، وتمكنها من إجراء التحويلات المالية إلكترونيا بشكل آمن ومضمون. وسويفت ليس مصرفا، ولا هو بالضبط نظام لسداد الدفعات، بل هو طريقة لضمان انتقال الأموال إلى حيث من المفترض أن تكون. ما يحصل للبلدان التي تُقصى عن سويفت، مثلما حدث مع إيران في عام 2012، هو أنها فعليا تُجبر على العودة إلى ما قبل عصر الكمبيوتر – فتضطر إلى الاعتماد على التعاملات البدائية القائمة على المقايضة، أو على بالات من العملة النقدية، لتمويل حكوماتها وتسيير اقتصادها. ومن أجل فهم أفضل للاحتمالات الواردة تحدثت مع مايكل بيرنستام، وهو اقتصادي ومحلل ولد في الاتحاد السوفييتي ويعمل الآن في معهد هوفر باستانفورد. ودرس بيرنستام الأثر الحتمي المحتمل لمثل هذه العقوبات منذ الغزو الروسي السابق لأوكرانيا في عام 2014.
اقرأ أيضا: العقوبات على موسكو تمثل اختبارا للعلاقات الروسية الصينية تحملوني وأنا أسير بكم عبر بعض التقنيات المصرفية والنقدية، وأعدكم بأن الوجهة النهائية تستحق العناء. افترض أنك شركة روسية تشتري البضائع من العالم الخارجي وتبيعها للروس، فأنت تجني دخلك بالروبل وتنفق باليورو والدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني والين الياباني والوون الكوري الجنوبي ولربما أيضاً بالرينمينبي الصيني. فكيف يتم ذلك بالضبط؟ حسنا، قد يقوم صاحب الشركة الروسية أو المواطن الروسي بتحويل الروبل الذي يكسبه داخل روسيا إلى عملة أجنبية عبر أحد البنوك الروسية. أو نظرا لأن الروبل لديه ميل نحو فقد قيمته مقابل العملة الأجنبية – فإن صاحب تلك الشركة الروسية أو ذلك المواطن قد يعمد إلى فتح حساب في أحد البنوك الروسية باليورو أو بالدولار، وكلا الأمرين باتا قانونيين في روسيا ما بعد حقبة الشيوعية. معظم هذه التحويلات من الروبل إلى العملة الأجنبية تتم عبر نقرات في الحاسوب والنتيجة هي تقييد المبلغ كدائن أو مدين في السجلات الإلكترونية للمؤسسات المالية. إيداع الروبل في البنك عبارة عن نقرة. وبيع الروبل مقابل اليورو أو الدولار عبارة عن نقرة أخرى. ووصول العملة الأجنبية إلى حساب العميل الروسي عبارة عن نقرة أخرى إضافية. من النادر أن يحصل تبادل للأوراق النقدية في هذه التعاملات. يوجد فقط تقريباً ما قيمته 12 مليار دولار على شكل أوراق نقدية بالدولار أو باليورو داخل روسيا، بحسب ما ورد في البحث الذي أجراه بيرنستام. مقابل ذلك، تبلغ مطالبات القطاع الخاص الروسي بالعملات الأجنبية من المصارف الروسية ما قيمته 65 مليار دولار، كما أخبرني بيرنستام. أما الشركات الروسية المملوكة للدولة فقد راكمت مطالب أكبر من ذلك بكثير من احتياطيات العملات الأجنبية في روسيا. على الرغم من الندرة النسبية للأوراق النقدية الأجنبية داخل روسيا، فإن جميع هذه النقرات يمكن أن تتم لأن روسيا بشكل عام لديها الثقة بأن البنوك قادرة على توفير النقد الأجنبي إذا ما اضطرت إلى ذلك. لو أن كل مودع روسي – فرد أو شركة أو مؤسسة مملوكة للدولة – حضروا في نفس الوقت للمطالبة بما لهم من عملات بالدولار أو اليورو، فيتوقع أن يحصل تدافع كلاسيكي على سحب العملة.
إلا أن الروس لا يتدافعون على مصارفهم لأنهم يعتقدون بأنه في أي أزمة حقيقية سوف يقوم البنك المركزي الروسي بتوفير النقد المطلوب. وذلك أن البنك المركزي الروسي تتوفر لديه كميات هائلة من الاحتياطيات: 630 مليار دولار حسب الإحصاء الأخير قبل بدء الحرب الحالية على أوكرانيا. وفي حالة الطوارئ سيقوم البنك المركزي بالسحب من احتياطياته وتزويد البنوك التجارية بالنقد، ويمكن أن يحصل كل مودع على مستحقاته كاملة بالعملة التي أودعها. بوجود 630 مليار دولار من الاحتياطيات لا يمكن تصور أن تخلو روسيا من العملات الأجنبية. لعلكم قرأتم هذا الزعم مرات عديدة خلال الأيام القليلة الماضية. حتى إنني أنا نفسي كتبت هذا الزعم في مقال نشر لي الأسبوع الماضي. إلا أن بيرنستام يقول: على رسلكم، لا تتعجلوا. ما الذي يعنيه أن روسيا لديها سين أو صاد من الاحتياطيات الأجنبية؟ أين توجد هذه الاحتياطيات؟ الدولارات واليوروز والجنيهات التي يملكها البنك المركزي الروسي – قد تملكها روسيا ولكن روسيا لا تتحكم بها. تقريباً كل هذه المئات من المليارات التي يملكها الروس تتحكم بها البنوك المركزية الأجنبية. احتياطيات روسيا موجودة على شكل تدوينات في سجلات البنوك المركزية في الغرب، وخاصة لدى البنك المركزي الأوروبي ولدى الاحتياطي الفيدرالي. معظم الاحتياطيات التي تملكها روسيا تدين بها للبنك المركزي الروسي حكومات غربية. هل تذكرون مقولة "إذا كنت مديناً للبنك بعشرة آلاف دولار فإن لديك مشكلة – ولكن إذا كنت مديناً للبنك بعشرة مليارات دولار فإن البنك لديه مشكلة"؟ نحن شعوب العالم الغربي ندين للدولة الروسية بمئات المليارات من الدولارات. تلك ليست مشكلتنا، إنها مشكلة روسيا، وهي مشكلة ضخمة. لأن الشيء الوحيد الذي بإمكان أي مدين فعله هو عدم الدفع إذا ما طلب منه ذلك. حتى يتسنى لها تمويل حربها في أوكرانيا، لربما كانت روسيا تأمل في أن تسحب ما تحتاجه من احتياطياتها من العملة الأجنبية من البنوك المركزية في الغرب. ما يفترض أن يحصل هو أن يطلب البنك المركزي الروسي من الاحتياطي الفيدرالي أو من البنك المركزي الأوروبي تحويل سين من المليارات بالدولار أو باليورو من البنك المركزي الروسي إلى هذا البنك الروسي الخاص أو ذاك. وبدوره يقوم البنك الخاص من بعد بتزويد حسابات الشركات الروسية أو الأفراد الروس. ثم تقوم هذه الشركات أو أولئك الأفراد بدفع ما عليهم من التزامات للشركات الغربية التي هم مدينون لها.كل ذلك يتطلب تعاون الاحتياطي الفيدرالي أو البنك المركزي الأوروبي في المقام الأول. بإمكان الاحتياطي الفيدرالي أو البنك المركزي الأوروبي القول: "لا، آسف. أموال البنك المركزي الروسي مجمدة. لن تتمكنوا من تحويل أي دولارات أو يوروز من البنك المركزي الروسي إلى البنوك التجارية، ولن تتمكنوا من إجراء تحويلات من البنوك التجارية إلى المؤسسات والشركات أو إلى الأفراد. لكل الغايات العملية لقد غدوتم مفلسين." سيكون ذلك إجراء مذهلاً ولكنه لن يكون إجراء غير مسبوق. فقد فعلت ذلك الولايات المتحدة بإيران بعد أن اتخذ النظام الثوري من الدبلوماسيين الأمريكيين رهائن في عام 1979.
اقرأ أيضا: NYT: بوتين يواجه عقوبات لكن أصوله لا تزال لغزا إلا أن إيران لم تشعر مع ذلك ببرودة العزلة لأنها كانت تجني كميات هائلة من العملة الأجنبية بفضل مبيعات النفط. ولكن فيما لو تباطأ دخل روسيا من العملات الأجنبية في نفس الوقت الذي تشن فيه حرباً باهظة التكاليف ضد أوكرانيا، فلسوف تكون في أمس الحاجة إلى احتياطياتها. وفجأة سيكون الحال شبيهاً بما لو اختفت الأموال فجأة. كل فرد روسي أو كيان تابع للدولة عليه التزامات بالعملة الأجنبية سوف يغدو مفلساً تماماً. بالطبع قبل وقت طويل من حدوث ذلك، سوف يصيب الهلع كل من له علاقة بتلك التعاملات. سوف يتسابق المودعون لسحب مدخراتهم بالدولار واليورو من البنوك الروسية، وسوف تطرق البنوك الروسية أبواب البنك المركزي الروسي، وسوف يجمد البنك المركزي الروسي حسابات مودعيه بالعملات الأجنبية. ولن يعود الروبل عملة قابلة للتحويل. وسوف يعود إلى ما كان عليه في الحقبة السوفياتية، أي عملة زائفة تستخدم أحياناً لأغراض الحسابات الدفترية داخل روسيا ولكن لا قدرة لها على شراء البضائع أو الخدمات من الأسواق العالمية. سوف ينكفئ الاقتصاد الروسي على نفسه، وينهار إلى مستوى لا يتجاوز الاكتفاء الذاتي في بلد لا ينتج سوى السلع الأساسية. تستورد روسيا تقريبا كل شيء يحتاجه مواطنوها للأكل واللباس والاستخدام. وفي عالم عصري رقمي، لا يمكن استخدام تلك الأموال بدون موافقة بنك مركزي تابع لدولة ما. بإمكانك أن تطلق على ذلك قانون بيرنستام، ونصه: "لا تخوض حرباً مع بلدان تستخدم عملاتها كعملة احتياطية من أجل الحفاظ على عملتك." ثمة استثناء وحيد للقاعدة الخاصة باستخدام الاحتياطيات كمدونات: يوجد ما يقرب من 132 مليار دولار من الاحتياطيات الروسية على شكل ذهب فعلي في خزائن داخل روسيا. بإمكان روسيا رهن ذلك الذهب أو بيعه، ولكن لمن سترهنه أو ستبيعه؟ معظم الزبائن المحتملين الذين قد تسول لهم أنفسهم شراء الذهب الروسي يمكن تهديدهم بالعقوبات. ومن يُحتمل أن يجدوا في أنفسهم القدرة على تحدي التهديد لا يملكون ما يشترون به الكثير من ذلك الذهب. خذ على سبيل المثال الناتج المحلي الإجمالي بأسره لدولة مثل فنزويلا، لا يتجاوز ذلك ما يقرب من 480 مليار دولار. لا يوجد سوى زبون واحد يبلغ من الثراء ما يمكنه من شراء كمية كبيرة من الذهب من بلد خاضع للعقوبات مثل روسيا، وذلك الزبون هو الصين. ولكن هي ستوافق الصين على أخذه؟ وفيما لو وافقت الصين على ذلك، ألن تشترط الحصول على تخفيض كبير ومؤلم مقابل مساعدتها لبائع يمر بأزمة شديدة مثل روسيا التي تخضع للعقوبات؟ وكيف بالضبط سيتم إتمام الصفقة؟ هل ستكتفي الصين بأن تعتبر المالك الشرعي للذهب تاركة المعدن داخل الخزانة الروسية؟ ذلك أمر مشكوك فيه. تبلغ قيمة الطن الواحد من الذهب ما يقرب من 61 مليون دولار، وبذلك فرن ما قيمته 139 مليار دولار من الذهب سيكون وزنه 2290 طن متري تقريباً. يمكن تصور قيام قاطرة بجر قطار يحمل ذلك الوزن وينقله من موسكو إلى بيجينغ. ولكن سوف يتطلب ذلك جهداً لوجستياً وأمنياً هائلاً من أجل تحميل ثم تنزيل وتأمين الذهب على متن قطار عابر لسيبيريا. وما الذي سيتحقق من خلال تحرك كهذا؟ فروسيا لديها حاليا من الممتلكات داخل الصين بالعملة الصينية، الرينمينبي، ما قيمته 84 مليار دولار. لو كانت الموجودات المخصصة داخل الصين ذات نفع حقيقي لروسيا، فلن تحتاج روسيا إلى بيع الذهب للصين في المقام الأول. سوف يكون بالإمكان بكل تأكيد استخدام احتياطيات روسيا من الربنمينبي الصيني في شراء البضائع من الصين، ولكن ذلك لن يحل المشكلة الحقيقية، والتي لا تتمثل في شراء بضائع معينة من أماكن معينة، وإنما في الحفاظ على الروبل كعملة تتمتع بثقة أهل روسيا أنفسهم. لن تتمكن الصين من ضمان ذلك لروسيا، وإنما البنوك المركزية في الغرب هي من بإمكانها ضمان ذلك. وهنا نصل إلى حدود ما يمكن أن تنجزه العقوبات المفروضة من قبل البنوك المركزية كأسلحة مالية: فقد يغدو السلاح الذي يسحق النظام البنكي للخصم أقوى مما هو مطلوب. وذلك أن الغرب يرغب في فرض عقوبات جزائية من شأنها أن تفرض على روسيا تغيير سلوكها العدواني ولكن دون أن يصل الأمر إلى تدمير الاقتصاد الروسي. يبلغ سلاح البنك المركزي من القوة ما قد يثير بالفعل حفيظة بوتين ويدفعه نحو ارتكاب عدوان أشد كمقامرة أخيرة يائسة. وهنا يأتي السؤال التالي: هل توجد طريقة لاستخدام سلاح عقوبات البنك المركزي بشكل تدريجي؟ ربما توجد طريقة. لا تحتاج البنوك الغربية إلى تجميد حسابات البنك المركزي الروسي مرة واحدة. بإمكانها أن تخصص للبنك المركزي الروسي مصروفاً شهرياً لا يتجاوز بضعة مليارات في الشهر الواحد. وهذا سيبقي روسيا في حالة من العرج، تحت طائلة قيود مشددة – في حالة أشبه ما تكون بصعوبة التنفس بدلاً من الخنق المفاجئ. لن يكون بإمكان الغرب منع بوتين من إنفاق عملاته الأجنبية على حربه أو الحيلولة دون يؤثر بطانته في عملية توزيع العملة الأجنبية. ولكن من شأن القيود أن تكشف سريعاً عن التكلفة الرهيبة لقرارات بوتين وتجعلها مرئية بشكل أكبر وأسرع لدى كل قطاع من قطاعات القوة والنفوذ داخل المجتمع الروسي. لن تكون تلك بمثابة الضربة القاضية، ولكن قد تسبب من الألم ما يكفي، وبالطبع يمكن إنزال الضربة القاضية بحقه في وقت لاحق. إضافة إلى ذلك، سوف توجه أداة فرض العقوبات من قبل البنك المركزي درساً لبوتين ما زال في أمس الحاجة إليه سيحمله على أن يتواضع. لقد شن بوتين حربه ضد أوكرانيا جزئياً لأنه يرغب في التأكيد على وضع روسيا كقوة عظمى – أي إنها حرب الغاية منها استعادة مكانة روسيا العظمى. ولكن يبدو أن بوتين لم يدرك أن العنف شكل واحد من أشكال القوة، وأنه ليس العامل الأكثر حسماً في نهاية المطاف. وحتى إنتاج الطاقة له محدوديته. إن القوة التي يوشك بوتين الإحساس بها هي قوة المنتجين في مواجهة رجال العصابات، قوة الحكومات التي تمنح الثقة في مواجهة الحكومات التي تحكم بالرعب. تعتمد روسيا على الدولار وعلى اليورو وعلى الجنيه الإسترليني وغير ذلك من العملات النقدية بطرق قل ضمن الدائرة المحيطة ببوتين من لديه القدرة على فهمها. وتوشك الديمقراطيات الليبرالية التي أوجدت هذه العملات الموثوقة أن تجبر بطانة بوتين على الإحساس بما لم يتكبدوا مشقة تعلمه بعد. اعصروهم.