أوضح المترجم، عمار قواسمية، في حوار مع “الشروق”، أنه لم يكن يدري أن يصبح ذات يوم مترجما، بعد تحصله على البكالوريا في شعبة الرياضيات ودخوله في تخصص المحروقات بالجامعة. وقد واجه الشاب العديد من العقبات التي تواجه كل الشباب حديثي التخرج قبل أن يصبح من أشهر المترجمين بالجنوب.
مثالي الوحيد هو الأستاذ منير البعلبكي، كونه المتفرد بأسلوبه سواء في الكتابة أم الترجمة، وما نحن إلا تلاميذ مدرسته نسعى للاقتداء به والنهل منه ومن أمثاله والاعتراف بفضلهم، لا ننسى أنه لبناني الأصل، ولبنان هي مهد الكتابة والتأليف: فمعظم دور النشر وأشهرها موجودة بذات البلد،لم أتخيل يوما أني سأنبهر بشيء انبهاري بالترجمة. وكانت نواة هذا الانبهار أول محاضرة مع أستاذتي الفاضلة في السنة الثانية ليسانس حيث أذهلتنا بأسلوبها والمعلومات النافعة التي تحوزها.
يقول محدثنا يجب أولا أن تعرفوا أن دراسة تخصص الترجمة يكون على صيغيتين: إما أن يلتحق الطالب بأحد معاهد الترجمة بعد تحصله على شهادة البكالوريا مباشرة، وهذه المعاهد موزعة على جامعات عنابة وقسنطينة وباتنة والجزائر العاصمة ووهران وتلمسان، وإما دراستها في طور الماستر، فقط بعد أن يتحصل الطالب على شهادة الليسانس في إحدى اللغات الأجنبية: الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية، وغيرها، وهذا ممكن في جامعات كثيرة مثل كلية الآداب واللغات بجامعة ورقلة.
أما في ما يخص جامعة ورقلة، فهذا سيضفي على إجابتي دقة أكبر، يدرس الطالب “الترجمة” في طور الليسانس مقياسا فقط، وفي هذا الطور يقتصر التكوين على الشق التطبيقي مع ملاحظات جانبية بشأن نظريات الترجمة وإجراءاتها واستراتيجياتها. أما في طور الماستر، فيتخصص الطالب ويدرس كل ما من شأنه أن يشحن خلفيته المعرفية في الترجمة، ومما يدرسه مقاييس متعلقة بالترجمة وجودتها مثل مقياس “الترجمة من الإنجليزية إلى العربية” ومقياس “الترجمة من العربية إلى الإنجليزية” ومقياس “الأسلوبية المقارنة”، كما يدرس مقياس “الترجمة التعاقبية” ومقياس “نظريات الترجمة” ومقياس “اللسانيات التقابلية” ومقياس “اللغة العربية”، إضافة إلى مقاييس تكميلية تدعم كل المقاييس المذكورة آنفا.
وأما ما يتم تدريسه، أقصد المضمون، فهو غني ونافع إلى درجة أنه يمنحك الأدوات اللازمة للترجمة والتحليل والتعليق والنقد، طبعا إذا كان الطالب مجدا ومواظبا ومحفزا. وبالتالي، فإن ما يتم تدريسه يواكب متطلبات سوق العمل، سواء كانت أكاديمية أم مهنية. وتتجلى المتطلبات الأكاديمية في أن كثيرا من طلبة الترجمة في جامعة ورقلة ينجحون في مسابقة الدكتوراه تقريبا سنويا وفي جامعات خارج ورقلة أيضا. أما المتطلبات المهنية، فإن طلبتنا يبلون حسنا أيضا إذا تعلق الأمر بمسابقات “ترجمان”، أي مترجم فوري، في قطاع خدماتي معين، أما مسابقات الالتحاق بمنصب “مترجم تحريري” فتحتاج مساحة أكبر للتطرق إليها. كما قد يتجه خريجو الترجمة إلى قطاع التعليم، ولهم فيه أيضا حصة الأسد. وبالمناسبة، أذكرهم من هذا المنبر بأن “الشروق” كانت قد أعلنت أن التسجيلات في مسابقة الأساتذة تبدأ يوم 29 جوان 2021 وتكون هذه التسجيلات، ولأول مرة، على الخط.
لا، لم يكن قرارا مؤسسا على معطيات، بل كان آليا وعن غير وعي. ما أقصده أن “الترجمة الأدبية” تتطلب ملكة لغوية، وهذه الملكة إما يحبيك بها المولى- عز وجل- وإما تكتسبها بالمطالعة والبحث وصقل موهبتك في الكتابة، ومن منطلق أنني كاتب بالدرجة الأولى، وجدت نفسي أتجه إلى الترجمة الأدبية دون أي قرار مني.
وأما صعوبات “الترجمة الأدبية”، فتتلخص أساسا في اختلاف طرائق التعبير بين اللغتين، ودلالة الرموز بين الثقافتين، ووجود كلمات تختص بثقافة معينة دون غيرها، وصعوبة المحافظة على الزخرف اللفظي بمحسناته البديعية وصوره البيانية،كما تواجهنا في ترجمة الشعر صعوبات جمة منها، كيف نحافظ على الوزن؟ كيف نخلق القافية مع المحافظة على المعنى؟ كيف ننقل نفس التأثير الذي أريد في النص الأصلي؟ وغيرها..
في خضم كل ذلك، يحتار المترجم في اختيار الإجراء المناسب للترجمة، وأعطيك مثالا: لو طلبت مني ترجمة اسم جريدتكم “الشروق” إلى الإنجليزية، فإن أمامي خيارين:– أن أترجم معنى الكلمة فأقول: Sunrise، أو أنقح الكلمة (أي أرسمها صوتيا بحروف الإنجليزية) فأقول Echourouk
ولا يزيل حيرة المترجم إلا العودة إلى تعليمات العميل ليقرر أن يختار هذه الترجمة أو تلك.
ستظل هناك حاجة دائمة للترجمة والمترجمين رغم التطور الهائل في التكنولوجيا، ومع ذلك فإن هذه الحاجة تتفاوت من تخصص إلى آخر: فالترجمة العامة مثلا يمكن للآلة أن تنجز معظمها، والترجمة التقنية هي الأخرى سهلة جدا على الآلة لأنها في معظمها تعتمد المصطلح العلمي، وهو أمر يسير على الآلة، أما التي ستظل معضلة مستعصية على الآلة فهي الترجمة الأدبية، إذ لن يستطيع “غوغل” مهما تطور أن يترجم لك مثلا بعض الأبيات المستعصية من الشعر الجاهلي أو شعر المتنبي أو شعر الخنساء.