المصدر : /أ ش أ/
شهد عام 2021 تغيرات تكنولوجية عديدة ما بين سلبية وإيجابية؛ ترتبط في غالبها بتداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد، وسنوات من السيطرة غير المقيدة لعمالقة التكنولوجيا، على رأسها الارتفاع الحاد لأسعار العملات الرقمية، وأزمة أشباه الموصلات، والتحول نحو السيارات الكهربائية.
من بين أبرز الأحداث التكنولوجية التي شهدها عام 2021، وصل سعر عملة البيتكوين الرقمية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق --للمرة الثانية منذ العام السابق- متجاوزاً أكثر من 65000 دولار أمريكي في فبراير وأبريل ونوفمبر 2021. ويرجع سبب الارتفاع إلى إعلان شركة تسلا عن حصولها على عملات رقمية بقيمة 1.5 مليار دولار أمريكي بالإضافة إلى الاكتتاب العام الأولي لأكبر بورصة عملات مشفرة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، عانت العملة المشفرة الأشهر في العالم من تصحيح ملحوظ في أبريل بعد تكهنات بشأن التنظيم الحكومي.
وفي هذا السياق، أعلنت السلفادور في سبتمبر العملة الرقمية "بيتكوين" عملة رسمية مع الدولار؛ لتصبح أول دولة تتخذ هذا القرار. لكن على الجانب الآخر، أعلنت الصين حظر العملات الرقمية والمنصات التي تتداولها، في استعداد لطرح نسختها الخاصة من العملة الرقمية المركزية.
وشهد العام أيضاً ثورة في التحول نحو السيارات الكهربائية، مع إعلان عملاق الهواتف الذكية الصيني "شاومي" سيبني مصنعًا يمكنه إنتاج 300 ألف سيارة كهربائية سنويًا. كما أعلنت شركة صناعة السيارات الألمانية "فولكس فاجن" الألمانية عن ضخ 35 مليار يورو في التحول إلى السيارات الكهربائية بهدف أن تصبح أكبر شركة لتصنيع السيارات الكهربائية في العالم بحلول عام 2025.
كما وصلت القيمة السوقية لشركة "تسلا" للسيارات الكهربائية لأكثر من تريليون دولار لأول مرة، في أكتوبر، بعد صفقة مع عملاق السيارات "هيرتز" لبيع 100 ألف سيارة كهربائية .
وعن أزمة النقص العالمي في الرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات) التي بدأت في نهاية 2020، فقد استمرت في عام 2021 مؤثر في أكثر من 169 قطاعًا وخطوطًا للمستهلكين، بما في ذلك السيارات وبطاقات الرسومات ووحدات تحكم ألعاب الفيديو وما إلى ذلك، كما أدت إلى إبطاء سلاسل التوريد.
ويُعزى الجزء الأكبر من هذه الأزمة إلى "تأثير كرة الثلج" لوباء "كوفيد-19"، بينما تشمل الأسباب المحتملة الأخرى الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وتعطل الإنتاج في تايوان في عام 2021. بالإضافة إلى ذلك، توقع مصنعو السيارات في جميع أنحاء العالم انخفاضًا في الطلب في بداية الوباء. نتيجة لذلك، اختارت الشركات طلب عدد أقل من شرائح أشباه الموصلات لتقليل تكاليف المخزون خلال فترة الإغلاق.
لكن لعلاج هذه الأزمة، توجه عدد من الشركات للاستثمار في إنتاج أشباه الموصلات. وعلى رأسها، مجموعة "سوني" اليابانية وشركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة" -أكبر منتج للرقائق- اللتان أعلنتا بناء مصنع مشترك للرقائق الإلكترونية في اليابان، بإجمالي استثمارات 7.15 مليار دولار.
ومن المتوقع أن ينتج المصنع أشباه موصلات للسيارات وأجهزة استشعار صور الكاميرا وغيرها من المنتجات التي تضررت من نقص الرقائق (أشباه الموصلات) العالمي، ومن المرجح أن يبدأ التشغيل بحلول عام 2024.
وفي محاولة لاستعادة بعض السيطرة على سوق التكنولوجيا، تحركت بعض الحكومات لكبح احتكار عمالقة التكنولوجيا؛ إذ أطلق الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين "مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة وأوروبا" في بداية عام 2021؛ بهدف "لتنسيق المناهج الخاصة بالتجارة العالمية، والقضايا الاقتصادية والتقنية، وتبادل المعلومات حول مناهجنا الخاصة بحوكمة منصة التكنولوجيا".
وفي تبني لنهج أكثر توحيدًا للحد من القوة السوقية لشركات التكنولوجيا الكبرى، مثل جوجل وفيسبوك وآبل وأمازون، أعلنت الجهات الرقابية والتنظيمية من الولايات المتحدة وأوروبا حزمة من التدابير المشتركة خلال الاجتماع الأول لمجلس التجارة والتكنولوجيا، في 29 سبتمبر.
كما واصلت الدول الأوروبية تبني إجراءات صارمة ضد الممارسات التجارية لعمالقة التكنولوجيا، واتفقت الدول في نوفمبر على موقفها المشترك بشأن تشريعين تاريخيين يمكن أن يضعا رقابة غير مسبوقة على شركات التكنولوجيا الكبرى.
وفي هذا السياق، فرضت هيئة الرقابة الإيطالية لمكافحة الاحتكار غرامات قدرها 40 مليون يورو على شركتي آبل وجوجل مجتمعتين، في قرارين منفصلين في نفس الأسبوع من شهر نوفمبر.
وفي الشهر ذاته، أعلنت هيئة تنظيم السوق في الصين فرض غرامة قدرها 78 ألف دولار على شركات تكنولوجية عملاقة، من بينها علي بابا وبايدو -النظير الصيني لجوجل- لفشلها في إعلان 43 صفقة تعود إلى عام 2012 للسلطات، قائلة إنها انتهكت تشريعات مكافحة الاحتكار.وأعلنت الصين تشديد قبضتها على منصات الإنترنت، وعكس نهج عدم التدخل في السابق، موضحة أن الهدف هو تجنب مخاطر إساءة استخدام القوة السوقية لخنق المنافسة وإساءة استخدام بيانات المستهلكين وانتهاك حقوق المستهلك.
وفي دليل آخر على التغيرات المفاجئة التي جلبها العام على المشهد التكنولوجي، خسر جوجل، في ديسمبر، موقعه باعتباره النطاق الأعلى شعبية في العالم لصالح تطبيق تيك توك، وفقاً لتقرير مراجعة العام لشركة "كلاود فلير" عن النطاقات التي تحصد أكبر عدد من الزيارات كل عام.
وفي الشهر ذاته، أعلنت شركة "بلو أوريجين" المملوكة للملياردير مالك "أمازون" جيف بيزوس، إطلاق أول طاقم فضائي لها مكون من 6 أشخاص استعداداً لإطلاق رحلتها السياحية الأولى في الفضاء على متن سفينتها نيو شيبرد، والتي ستمثل لحظة فارقة في منافسة للدخول في حقبة الرحلات الفضائية التجارية الخاصة. وباعت الشركة تذاكر بقيمة 100 مليون دولار.
وفي أكتوبر، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرج، عن تغيير اسم الشركة لميتا، على خلفية سلسلة من الفضائح شملت اتهام موظفة سابقة في الشركة بتجاهل نتائج التحقيقات بأن منتجاتها وسياساتها يمكن أن تضر المستخدمين، وتقديمها وثائق إلى المؤسسات الإعلامية والكونغرس الأمريكي.
ويستند اسم "ميتا" إلى الميتافيرس وهو عبارة عن فضاء عبر الإنترنت لعوالم تجريبية ثلاثية الأبعاد مترابطة، باعتباره الحدود الجديدة حيث يمكن للأشخاص التواصل والعمل والتسوق، مثلما هو الحال في العالم الحقيقي، وتستحوذ الكيانات على الأراضي حيث تزدهر تلك الأنشطة وتدر الأموال. وتقدر منصة تداول العملات المشفرة "جراي سكيل" أن حجم اقتصاد "الميتافيرس" سيبلغ في المستقبل القريب نحو تريليون دولار.
ومن أبرز الحوادث التكنولوجية التي شهدها عام 2021، توقفت الشبكة الاجتماعية "فيسبوك"، ومنصات إنستجرام وواتساب وماسنجر، وحتى نظام الاتصالات الداخلية للشركة "وورك بليس"، عن العمل بشكل مفاجئ لمدة 6 ساعات؛ مما تسبب في قطع الخدمة عن ملايين الأشخاص في أنحاء، وحدوث خسائر في الاقتصاد العالمي تتجاوز 100 مليون دولار لكل ساعة توقف.
وفي مايو، أثارت هجمات برامج الفدية الخبيثة (رانسوموير) اهتمام واسع غير مسبوق؛ بعدما أغلقت مجموعة برمجيات الفدية تسمى "دارك سايد" ملفات خط أنابيب كولونيال، الذي يشغل 5500 ميل من أنابيب البنزين والوقود الممتدة بين هيوستن ونيويورك. وسرعان ما دفعت الشركة أكثر من 4 ملايين دولار من عملة بيتكوين لاسترداد البيانات المسروقة، لكن الاضطراب تسبب في فوضى مؤقتة في محطات الوقود على الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
وحققت برامج الفدية رقمًا قياسيًا جديدًا في عام 2021 مع أكثر من 500 مليون هجوم، وفقًا لشركة الأمن السيبراني "سونيك وول".
وبرامج الفدية هي برامج ضارة تخطف ملفات كمبيوتر الشركة عن طريق تشفيرها. ثم يطلب المجرمون المال لاستعادة الوصول إليها.وفي أبريل، أعلنت شركة "إل جي" الكورية الجنوبية، في بيان رسمي في أبريل، رسميا الانسحاب من سوق الهواتف الذكية والتوقف تماما عن إنتاجها، وذلك للتركيز مواردها في مجالات النمو مثل تصنيع مكونات السيارات الكهربائية وأجهزة المنزل الذكية.
وفي تجربة مبكرة مع أحد أشكال الواقع المعزز على نطاق واسع، انتشرت "فلاتر الجمال" -وهي التطبيقات التي تتيح للأشخاص، غالبًا الفتيات الصغيرات، تنعيم بشرتهم وتخفيف أنوفهم وتكبير أعينهم في الصور الرقمية. وتتوفر تطبيقات التجميل على تيك توك وسناب شات وغيرها، ويستخدمها الملايين، في ما اعتبره البعض بداية مقلقة للميتافيرس.
وأخيراً، من المتوقع استمرار بعض التوجهات التكنولوجية الرائدة من عام 2021 للعام الجديد، على رأسها الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس.
ووفقاً لبن طومسون، محلل التكنولوجيا المخضرم، المرشحيّن الأكثر قبولاً للهيمنة على حقبة المستقبل هما علم التشفير- بمعنى تقنية قواعد البيانات المتسلسلة "بلوك تشين"- والحساب الكمومي.
ويحذر طومسون من أنَّ "عصرًا تهيمن عليه هاتان التقنيتان سيكون تجسديًا لتناقض محير؛ إذ تعتمد أدوات التشفير الحالية لدينا على إنشاء مفاتيح قد تستغرق أجهزة الكمبيوتر التقليدية ملايين السنين لحلها. لكن الحواسيب الكمومية ستحلها في نانوثانية. وفي هذه الحالة، قد نضطر أخيرًا إلى الاعتراف بأننا، كبشر، أذكى من أن نعرف مصلحتنا".