دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدول المانحة في مؤتمر “بروكسل“، المقرر انعقاده بين 29 و30 من آذار الحالي، إلى معالجة أزمة التعليم غير المسبوقة التي يواجهها الأطفال السوريون في لبنان.
وأصدرت المنظمة تقريرًا، في 26 من آذار الحالي، تحدثت فيه عن ضرر إغلاق المدارس والانكماش المالي الناجم عن جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، في البلدان المضيفة للاجئين، وأثره على تعليم الأطفال السوريين فيها.
وطالبت المنظمة الدول المانحة بالضغط على الحكومة اللبنانية لرفع الحواجز أمام تعليم الأطفال السوريين، بما في ذلك القيود المفروضة على المنظمات الإنسانية التي توفر التعليم.
وقالت مديرة المناصرة في الاتحاد الأوروبي ومديرة مكتب بروكسل في “هيومن رايتس ووتش”، لوت ليخت، “بعد سنوات من وعود المانحين بدعم التعليم الجيد لجميع الأطفال السوريين اللاجئين، فإن أغلبية الأطفال السوريين في لبنان لا يحصلون على شيء، وخطة الحكومة غامضة، وهي تقيد أيدي المنظمات الإنسانية بالروتين والعقبات التي لا يمكن تبريرها”.
تمكن 42% من الطلاب السوريين في لبنان من الذهاب إلى المدرسة من أصل 660 طفلًا سوريًا، بمن في ذلك 9% من الأطفال الموجودين في المدارس الخاصة، خلال العام الدراسي 2018- 2019.
تدهور الوضع التعليمي للطلاب خلال موسم 2019- 2020، بعد إغلاق المدارس نتيجة الاحتجاجات التي قامت ضد الحكومة اللبنانية في تشرين الأول 2019، ليعود الطلاب في أوائل عام 2020 إلى المدرسة، ثم تغلق المدارس مرة أخرى، في 29 من شباط 2020، بسبب جائحة “كورونا”.
أعلنت وزارة التربية والتعليم عن اعتمادها استراتيجية “التعليم عن بُعد”، في آذار 2020، وقالت إنها ستبدأ بتنفيذها في تموز 2020، لكنها لم تفعل ذلك بعد، بحسب موظفي التعليم في المنظمات الإنسانية.
قال مسؤولو وزارة التربية والتعليم في اجتماعات مع مجموعات معنية بالتعليم، إن حوالي 190 ألف طفل سوري في لبنان التحقوا بالمدارس الرسمية في العام الدراسي 2020-2021، بينما لم يلتحق سوى 25 ألفًا آخرين ممن كان ينبغي أن يلتحقوا بالصف الأول.
وتغيّب جميع الأطفال في لبنان عن الدراسة لأكثر من عام منذ أيلول 2019، بسبب إغلاق المدارس، لكن معظم الأطفال السوريين المكلفين بحضور “فصول دراسية ثانية” خاصة في فترة ما بعد الظهر، قالوا للمنظمة إنه لا يوجد أي تعليم، بسبب فشل المدارس في تزويدهم بـ”التعليم عن بُعد”.
لا يستطيع العديد من الأطفال اللاجئين الالتحاق بالمدارس العامة، لأن أسرهم لا تستطيع تحمل تكاليف المواصلات أو لأن المدارس العامة رفضت تسجيلهم، كما أفاد 29% من 443 طفلًا عام 2019، بأن المدارس رفضت السماح للأطفال السوريين بإجراء امتحانات إلزامية، إذا لم تكن لديهم إقامة قانونية في لبنان، وهي مطلوبة ابتداء من سن 15 عامًا، ولكن 70% من السوريين لا يستطيعون تحمل تكاليفها أو هم غير مؤهلين للحصول عليها.
وتدير المنظمات الإنسانية مدارس غير رسمية بالقرب من مجتمعات اللاجئين، ويمكنها الوصول إلى أعداد كبيرة من الأطفال، لكن وزارة التربية اللبنانية تمنع هذه المجموعات من تدريس المناهج المدرسية العادية.
تسمح الوزارة للمنظمات الإنسانية بتدريس أساسيات الحساب ومحو الأمية، والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، لكنها لم توافق على أي برنامج تعليمي غير رسمي للأطفال من سن 7 إلى 9 سنوات، بحجة أن على الأطفال الالتحاق بالمدارس العامة.
ولم تسمح وزارة التربية والتعليم للطلاب السوريين غير الملتحقين بالمدارس بالتسجيل في المدارس، إلا إذا أكملوا برنامج التعلم السريع الخاص الممول من المانحين، والذي يساعدهم على اللحاق بأقرانهم في المدرسة، لكن الوزارة لم تعرض البرنامج على مدار العامين الماضيين، ولم تقدم أي خيار لـ”التعلم عن بُعد” لـ6500 طالب تم تسجيلهم، ولا تسمح للمنظمات غير الحكومية بتدريسه.
وأبلغت الوزارة خلال العام الدراسي 2020-2021، المجموعات المعنية بالتعليم بأنه يمكن للأطفال التسجيل في المدارس العامة، إذا أكملوا دورة أساسية في الحساب ومحو الأمية واجتازوا اختبارات تحديد المستوى.
وأغلقت وزارة التربية، خلال صيف 2020، تسع مدارس خاصة غير مرخصة تضم خمسة آلاف طالب سوري، بينما وفرت أماكن في المدارس الحكومية لـ800 طالب فقط، ودفعت مجموعتان إنسانيتان رسوم تسجيل لثلاثة آلاف طفل في المدارس الخاصة، بينما ما زال 1200 طالب مستبعدين.
سجل 70% من الأطفال اللبنانيين في المدارس الخاصة قبل الأزمة المالية، لكن في عامي 2020-2021، انتقل ما يقرب من 40 ألف طفل لبناني إلى المدارس الحكومية، ما ضيّق المساحة على الأطفال السوريين.
يدفع المانحون للبنان مبلغًا محددًا لكل طفل سوري لاجئ مسجل في المدرسة، ويدفعون أيضًا الرسوم المدرسية للأطفال اللبنانيين، بتكلفة تزيد على 440 مليون دولار بين العامين الدراسيين 2015 و2019، كما يمولون المنظمات الإنسانية التي توفر التعليم غير الرسمي للأطفال اللاجئين، لكن التمويل الإنساني للبنان انخفض في كل مؤتمر من مؤتمرات “بروكسل”، من 1.3 مليار دولار عام 2017 إلى 944 مليون دولار في عام 2020.
وانخفضت المساعدات التعليمية الإجمالية في مؤتمر “بروكسل” من 24% من إجمالي التمويل عام 2018، إلى 9% في عامي 2019 و2020، وعليه رفضت وزارة التعليم تنظيم حملات العودة إلى المدرسة لتعزيز الالتحاق بحجة نقص التمويل.
وحثت المنظمة المشاركين في المؤتمر على اتباع نهج الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والأمم المتحدة، بأن تقوم السلطات اللبنانية بصرف تمويل المساعدات بالدولار الأمريكي، إذ تحول الحكومات الأجنبية التبرعات إلى لبنان، بما فيها رواتب المعلمين المسؤولين عن تدريس الأطفال السوريين، بالدولار الأمريكي، بينما تصر البنوك اللبنانية على صرف المساعدات بالليرة اللبنانية بسعر أقل بكثير من سعر السوق.
وهكذا استحوذت البنوك على معظم قيمة التبرعات، لأن القيمة الحقيقية للعملة اللبنانية تراجعت الآن بنسبة 90%، وأضرب بعض المعلمين اللبنانيين للمطالبة بالدفع بالدولار مع انهيار قيمة رواتبهم، إضافة إلى رفض مديري المدارس إعادة فتح 80 مدرسة من مدارس الدوام الثاني، لأن وزارة التربية والتعليم لم تدفع لهم رواتبهم عن الأشهر التي كانت فيها المدارس مغلقة خلال العام 2019- 2020.
وكشف تقرير استقصائي لقناة “الجديد” اللبنانية، أن الحضور الفعلي للأطفال السوريين في فصول الدوام الثاني خلال العام الدراسي 2019- 2020، كان أقل بنسبة 23% من عدد الملتحقين.
وبحسب ما أفاد به مسؤولو التعليم في المنظمات الإنسانية، يوجد نقص في الدعم الحكومي للمعلمين لـ”التعليم عن بُعد”، وسوء مراقبة جودة التعليم المقدم للأطفال اللبنانيين والسوريين، ولم تقم المدارس الابتدائية بـ”التعليم عن بُعد”، واكتفت إرسال رابط لمقطع فيديو واحد على موقع “YouTube” كل أسبوع للطلاب.
قال المعلمون إن الوزارة لم تزودهم بأجهزة كمبيوتر محمولة أو تعوضهم عن استخدام بيانات الهاتف المحمول، وموّلت الدول المانحة الأمم المتحدة لشراء أجهزة كمبيوتر محمولة للمدارس العامة عام 2018، ولكن لم يتم توزيعها مطلقًا، لزعم الشركة المستوردة بتلف 2335 حاسوبًا محمولًا إثر انفجارمرفأ بيروت، وبيع الحواسيب إلى مشترين من القطاع الخاص.
حصل المعلمون والطلاب على وصول مجاني إلى منصة “Microsoft Teams”، لكن من الناحية العملية، فإن عددًا قليلاً جدًا من فصول الدوام الثاني توفر مواد لـ”التعليم عن بُعد” للأطفال اللاجئين السوريين.
كما أدى ضعف الوصول إلى الإنترنت، والتكلفة الباهظة للبيانات، ونقص أي أجهزة بخلاف الهاتف الذكي لأحد الوالدين، إلى الحد من وصول الأطفال السوريين إلى الإنترنت.
قال العاملون في مجال التعليم، إن المعلمين غالبًا يستخدمون تطبيق “واتساب” لإرسال مهام ورسائل صوتية للأطفال، وبث الفصول المتلفزة للصف التاسع والصف الثاني عشر، لكن نصف العائلات السورية اللاجئة فقط لديها تلفزيون، ويترك معظم الأطفال السوريين المدرسة قبل المرحلة الثانوية، وأقل من 1% يكملون الصف التاسع.
واختتمت مديرة المناصرة في الاتحاد الأوروبي ومديرة مكتب بروكسل في “هيومن رايتس ووتش”، لوت ليخت، بقولها، “للأطفال الحق في التعليم، ولا يمكنهم تحمل تكرار مؤتمر (بروكسل) العام الماضي حول سوريا، عندما فشل المنظمون حتى في إدراج التعليم على جدول الأعمال الرسمي”.
–