سأسمي ما أحس به "وسواسا قهريا". المفردة لطيفة وتتكون من وصفين ليسا شائعين. قرأتها مرات في تقارير، إلا أني لم أسمع أحدا يقول لآخر إن بك وسواسا قهريا. أقترح توسيع استخدامها. السبب؟ إنه الهاتف المحمول، وكمية الشحن المتبقية فيه على وجه التحديد.
هذا القلق يطاردني. أن ينتهي الشحن لبطارية الهاتف وأنقطع عن العالم. لم يحدث هذا إلا مرة واحدة في علاقتي مع الهاتف المحمول. ولكن مثل كل عقدة نفسية، مرة واحدة تكفي.
مقدّما أدرك أن الدنيا لن تخرب إذا استنفد هاتفي بطاريته. الحياة ستستمر لي ولغيري. ولست من مستقبلي المكالمات الهاتفية الطويلة، ولا من الحريصين على إجرائها. لكن الهاتف اليوم نافذتك على العالم وعلى العمل.
في المدينة التي أعيش فيها لا توجد إشكالية في العموم. أنا أتحرك بين البيت والمكتب، وثمة وصلة في السيارة. أفرح عندما أرى مؤشر البطارية مترعا بالشحن.
في الأسابيع الأخيرة زادت المعاناة، وصارت مركّبة. السفر يفرض عليك إيقاعا مختلفا. والأسوأ ما تفعله بنا شركات الهواتف. تعطيك حصة يومية لاستخدام الإنترنت على الهاتف. حصة لا علاقة لها بالواقع. بعد دقيقتين من مراجعة البريد تأتيك رسالة: استنفدت حصتك لهذا اليوم! عبثا أن تكلم الشركة وتقول زيدوني. البديل هو أن تستخدم هاتفا محليا فيه إنترنت، ثم تشبك عليه هاتفك. بدلا من القلق على شحن بطارية هاتف صار لديّ قلق مضاعف: هاتف 1 وهاتف 2.
واحد من الحلول هو البطارية المحمولة. تشحنها مقدما، ثم تستخدمها حين الحاجة لشحن هاتف. صار القلق ثلاثا. صرت أقلق على البطارية المحمولة للاحتياط التي ستستنفد لو استخدمتها في شحن الهاتف 1 أو الهاتف 2.
يزيد من القلق التطبيقات. تطبيق سكايب مثلا لا شاغل له إلا استنفاد البطارية. يلتهمها التهاما. لماذا لا يتعلم من واتساب؟ تطبيق يضيع الطاقة عيني عينك. تشغله فيسخن الهاتف. تعرف أنه مكتوب للكمبيوتر، وأن من برمجه للهاتف لا يقدر قلقي. في بعض الأحيان، أناور بين الهاتفين. القليل من سكايب على هاتف 1 والقليل على هاتف 2. يا للمعاناة.
قلق على قلق هو التنقل بين مكان وآخر. هنا التغطية جيدة فالهاتف لا يستنفد بسرعة. هناك التغطية سيئة فيسخن الهاتف ويستهلك البطارية لأنه يعوض فرق الإشارة الضعيفة.
قلق إضافي؟ نعم. الهاتف 1 موديل جديد. لا أعرف من نصحهم بوضع مؤشر يعطي فكرة عن نسبة الشحن بدلا من نسبة مئوية رقمية واضحة. أحتاج أن أحرك إصبعي على المؤشر لأعرف. هاتف 2 أقدم، ونسبة الشحن المئوية تضيء لي الدرب.
إذا كانت العرب تتحرك في غابر العهود في الصحراء بين بقع فيها ماء وكلأ، فأنا العربي المعاصر أحب أن أتحرك بين مواقع فيها وصلات للشحن. وخير الوصلات الشاحنة تلك التي تعطي طاقة أكبر وتشحن الهاتف بشكل أسرع. أحبها إلى قلبي شاحنات الآيباد القديمة كبيرة الحجم. هذه نعمة كهربائية تستطيع شحن الهاتف بسرعة استثنائية، وليست مثل صغيرة الحجم التافهة. وأكيد أفضل من شحن الهاتف في السيارة من الوصلات التي صارت تركب في السيارات الحديثة. تلك كارثة. تضع الهاتف على الشحن، وبعد ربع ساعة تدقق فتجد أن الزيادة 1 بالمئة. بخلاء. أما الكرم الحقيقي فهو من الشاحن اللاسلكي. شكرا لزميلي الذي أهداني إياه.
في بعض المطاعم في دولة خليجية هناك صندوق وسط الطاولة. فيه وصلات ما لذ وطاب من الهواتف المحمولة. هذا آيفون وذاك سامسونغ. أقبل عليه مع الأصدقاء ونأخذ ما نشتهي من الوصلات والشحن. مثل المثل السوري الذي يقول “عديم ووقع في سلة تين”. لا أحد يقول “خلص الشحن” أو “طاح الشحن” أو “فضت البطارية”. هذه ليست مطاعم. هذه عيادات علاج نفسي لمن هم من أمثالي.