يقول أدولف هتلر: «إن التقدم والحضارة هما نتيجة جهود العبقرية لا نتيجة ثرثرة الأكثرية»!
من أهم الأشياء التي تصقل العبقرية هو العلم، وهي عادة تصيب هدفا لا يمكن لأحد أن يراه، وتتطلب إلهاما وجهدا وتعبا لإبهار الآخرين من خلال اكتشاف أشياء ذات قيمة تعود بالنفع على البشرية.
تسنيم محمد يوسف فتاة عبقرية، أثبتت أن المرأة تصلح لشغل أي مهنة، حتى تلك التي ظلت حكرا على الرجال لعهود طوال، تفوقت على نفسها، وعلى أعتى وأشهر العلماء العالميين، حيث وضعت لنفسها هدفا، وسعت نحو تحقيقه، ولمعت في سماء الإنجاز النسائي بعد أن ابتكرت أول مشروع من نوعه لاكتشاف الغازات السامة عن بعد يعمل بالتطبيقات الذكية تحت مسمي «روبودم» الذي استحق الحصول على العديد من الجوائز داخل البحرين وخارجها.
الشغف بالتكنولوجيا كان حليفها منذ الطفولة، وقد قررت توجيه ذلك إلى خدمة البشر، ووضع البحرين على خريطة الابتكار والمعرفة العالمية، وهو ما سنتطرق له تفصيلا في الحوار التالي:
*حدثينا عن مشروعك؟
- لقد اخترت أن يكون مشروع تخرجي في الجامعة يحمل فكرا جديدا ومبتكرا يخدم المجتمع والبشرية بشكل عام، ليصبح اختراعا بحرينيا خليجيا عالميا، واسمه «روبودم» وهو عبارة عن روبوت لاستكشاف الغازات السامة عن بعد، وذلك عن طريق التطبيقات الذكية، وقد نبعت الفكرة من شغفي الشديد بالتكنولوجيا والروبوتات، وقد نشرت حتى الآن أربعة أبحاث علمية بمجلات ومؤتمرات عالمية تتعلق بهذا المجال الذي أعشقه منذ نعومة أظافري.
*كيف يخدم مشروعك البشرية؟
- فكرة هذا الروبوت يخدم البشر من خلال التقليل من الأخطاء والأخطار التي تتعرض لها أرواح البشر ومن ثم الحفاظ عليها، حيث يمنع تعرض الإنسان للغازات السامة، وهو أول مشروع من نوعه، وقد استغرق مني إعداده ستة أشهر تقريبا، وتم تحت إشراف د. وائل المدني، واليوم أعكف على تطويره، وقد شاركت في عدة مسابقات ونلت مراكز متقدمة بها، ففي مسابقة معرض الجايتكس بدبي حصلت على المركز الثاني، وكنت أول بحرينية تحصل على هذا الإنجاز وتشارك في هذا الحدث المهم.
*أصعب تحد واجهك؟
- أهم تحد بالنسبة إلي كان ضمان دقة تامة في تحديد نسبة الغاز، لأن الروبوت يتكون من حساسات، ولا بد من توفير درجة كبيرة من المهارة في تحديد نوع الغاز، وكذلك نسبته، ومع التطوير وصلت إلى مرحلة تحديد تسعة غازات سامة هي الميثان، والبروبان، وأول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكربون، والطبيعي، وأكسيد الكبريتيد، وكبريتيد الهيدروجين، والطبيخ، وغاز فلوريد ثنائي الكبريت.
*وما أهم التطورات في المشروع؟
- أنا لدي قناعة بأن أي مشروع لا يجب أن يتوقف العمل على تطويره عند مرحلة معينة، فبعد بذل الكثير من الجهد والعمل الدؤوب، تمكنت من إدخال بعض التطورات المهمة على مشروع الروبودرم في الفترة الأخيرة، ومن بينها تحريكه عن طريق التطبيق الذكي، أي عمله بالتحكم الذاتي، وهي خاصية في غاية الأهمية لضمان عمله بكفاءة في الأماكن الوعرة والضيقة بصفة خاصة، كما تم تطوير الخوارزميات لضمان أدائه بدقة عالية، وأود أن أتوجه هنا بالشكر الجزيل للعديد من الجهات التي قدمت لي كل الدعم والتشجيع ومنها مؤسسة تمكين ووزارة الشباب والرياضة، لمساندتهما الكبيرة لي، ولتوجيهي وتهيئتي من خلال المشاركة في عدة دورات متخصصة حول إدارة الأعمال، وتأهيلي كذلك للسفر إلى دولة الكويت للمشاركة في المعرض العالمي التاسع للاختراعات، والذي حصلت فيه على الميدالية الفضية، وكان إنجازا كبيرا بالنسبة إلي، هذا فضلا عن نيلي جائزة الاختراع العلمي من وايبو (المؤسسة الملكية الفكرية العالمية)، إلى جانب تحقيق عدد من الإنجازات الأخرى المهمة أيضا.
*وما الإنجازات المهمة الأخرى؟
- لقد كنت متحدثة رسمية في مؤتمر عالمي، تطرقت خلاله إلى قضية تطوير قدرات الشباب ومهاراته وكيف يصبحون رواد أعمال، ومن ثم يكونون قادرين على تحسين أوضاع العالم، كما شاركت في مسابقة أم آي تي، حيث تم تصنيف المشروع ضمن أفضل عشرة مشاريع في المملكة العربية السعودية، وبذلك أكون قد حققت الكثير في مجال شغفي الذي اكتشفته منذ طفولتي.
*حدثينا عن طفولتك؟
- كنت طفلة شغوفة للغاية بمجال التكنولوجيا بشكل عام، وقد عززت المدرسة هذا النهم في مجال الرياضيات والعلوم بصورة خاصة، وبعد حصولي على الثانوية العامة التحقت بجامعة البحرين لدراسة هندسة الحاسوب، وعملت بعد التخرج مهندسة حاسوب في القطاع المصرفي، وكسرت قاعدة محدودية تخصص البنات في مجال الفضاء والاتصالات إلى حد كبير في ذلك الوقت، وواجهت هذا التحدي سواء من قبل المجتمع أو الأهل، ولا شك أن النظرة تغيرت كثيرا اليوم وأصبحنا نرى المرأة تشغل أي مهنة، أما التحدي الآخر فكان ماديا.
*وكيف واجهت التحدي المادي؟
- هذا النوع من المشاريع المهمة يكون عادة باهظ الكلفة، الأمر الذي يؤدي إلى عدول المؤسسات والشركات عن دعمها أو تبنيها، لذلك أدعو هنا حاضنات الأعمال إلى خوض هذا المجال والاستثمار به، بغض النظر عن الصعوبات التي قد تواجههم، وشخصيا عزمت على تحقيق هدفي، وعلى إخراج مشروعي إلى النور رغم مواجهة العثرات المادية، وساعدني على ذلك حصولي على دعم من وزارة الشباب والرياضة ومؤسسة تمكين وبنك التنمية الاجتماعية وجامعة البحرين، كما كنت سعيدة للغاية بحصولي على بعثة من جامعة نوتنجهام ببريطانيا لدراسة رسالة الماجستير في تخصص هندسة الاتصالات والإلكترونيات، وكنت أول فتاة من البحرين تنال هذا الشرف.
*وماذا بعد الماجستير؟
- بعد حصولي على رسالة الماجستير عملت على مشروع آخر مهم ومبتكر يتعلق بمجال الأقمار الصناعية، وذلك بهدف تقليل عناصر التشويش التي تعترضها ومن ثم تؤثر سلبيا في أدائها، وهو مجال مهم يمكن الاستفادة منه في قطاعات عديدة مثل النفط والزراعة والملاحة والمواصلات وغيرها، حيث يسهم في جعل إشارات الأقمار الصناعية تعمل بدقة عالية، وهو أول مشروع من نوعه، وأتمنى أن يطبق في مملكة البحرين على أرض الواقع، وهو يتواكب مع توجه الحكومة نحو تطوير هندسة الاتصالات الفضائية، هذا إلى جانب التركيز على عملي التطوعي والخيري في مجالات عدة.
*ما أهم أنشطتك التطوعية؟
- أنا من عشاق العمل الخيري بدرجة شديدة، وأستمتع بذلك كثيرا، ومن أهم أنشطتي في هذا المجال عملي كمتطوعة بمركز سلمان الثقافي الذي يرعى ويحتضن المواهب الصغيرة إلى أبعد درجة، وذلك كمعلمة للأطفال في تخصص لغات البرمجة، وكذلك أعمل كرئيسة لهيئة مهندسي الإلكترونيات والاتصالات بهدف مساعدة حديثي التخرج وإعدادهم وتهيئتهم للانخراط في سوق العمل بنجاح وذلك من حيث تنمية مهارات القيادة والإلقاء وغيرها لتعزيز الجانب العملي لديهم، بهدف سد الفجوة بين السوق العملي والتخصصات العلمية بالجامعة، هذا إلى جانب مجال آخر اكتشفت شغفي به مؤخرا.
*وما هو ذلك المجال؟
- شغف أي إنسان لا يتوقف، ودائما يتجدد، ولقد اكتشفت مؤخرا شغفي بمجال التدريس وتمتعي بالمهارة فيه، وذلك من خلال عملي حاليا بنظام جزئي في جامعة البحرين للتكنولوجيا، وهو أيضا من المجالات التي أجد متعة كبيرة في العمل بها وخاصة من حيث إفادة الطلاب بالعلم والمعرفة، وتشجيعهم على ذلك، ومحاولة التأكيد لهم دوما بأن العلم أولا ثم العمل، وفخورة جدا بتكريمي من قبل صاحب السمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ووزير التربية والتعليم، وهو دافع آخر نحو مزيد من العمل والإنجاز.
*مبدأ تسيرين عليه؟
- أعترف بأنني شخصية تتمتع بالعند الإيجابي، فحين أضع لنفسي هدفا محددا لا أتنازل عن تحقيقه مهما واجهت من صعوبات أو عثرات، وأؤمن دائما بمبدأ لكل مجتهد نصيب، وأسير عليه عبر مشواري، أما حلمي الحالي الذي أتمنى أن يرى النور فهو الحصول على رسالة الدكتوراه في مجال هندسة الإلكترونيات والاتصالات، وأن أتمكن من تطوير مشروع «روبودم» وطرحه في السوق العالمي كمنتج بحريني ويستفيد منه العالم أجمع، وبذلك أكون قد قدمت صورة مشرفة للبحرين في المحافل الدولية، كما أتمنى أن يتم تبني هذا المشروع من قبل شركة أو مؤسسة في المستقبل القريب.