• Arabic

عمره 98 عاما.. وعينه على المستقبل!

عندما أُقارن بين ما نَعتبره مشكلاتنا الأساسية وما يعتبره العالم اليوم كذلك، يبدو لي البون شاسعا، ليس فقط في مجال التطور المادي إنما في مستوى درجة التفكير التي تفصلنا عنهم. فيما هم يفكرون وفيما نحن غارقون؟ إنهم يفكّرون لأنفسهم، مستقبلهم، ولكل العالم، غير مكترثين بدرجة وعينا ولا بمدى قدرتنا على التكيّف.. لا يهمهم إن كانت نتيجة ذلك زوالنا تماما من خارطة العالم أو اعتبارنا فئران اختبار.

لَفَتَ انتباهي لهذا الأمر كتابٌ أصدره ثلاثة من كبار الشخصيات في العالم: هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية في فترة السبعينيات من القرن الماضي، وEric Schmidtالرئيس المدير العام السابق لمحرك “غوغل” الشهير، ودانيال هتنلوشير Daniel Huttenlocher عالم الكمبيوتر وعميد كلية شوارزمان بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأمريكي. عنوان هذا الكتاب الذي صدر في 2 نوفمبر الماضي هو: “عصر الذكاء الاصطناعي ومستقبلنا البشري”، وهو يدخل في نطاق الدراسات المستقبلية وأدبيات الفكر العلمي التي كثيرا ما تشد انتباهي. ولعلنا اليوم في حاجة إلى الاطلاع عليه، لا لمعرفة مستقبل تأثير التكنولوجيا في السياسة والاقتصاد والأمن والوجود بشكل عامّ، إنما للانتباه إلى المصير الغامض الذي ينتظرنا إذا لم نستبق الأحداث بالخروج من حالة التفكير الضيق الذي يحكمنا اليوم إلى ما هو أرحب وأوسع، لعلنا نتمكّن من تحسّس نقاط القوة التي نملك ونُوجِد لأنفسنا سبيلا، ليس فقط للبقاء، إنما لتقديم البديل الذي نتجاوز به ما يُصنَع اليوم لنا من سيناريوهات تفترض في غالب الأحيان أننا لا شيء.

عمره 98 عاما.. وعينه على المستقبل!

ولعلّ هذا الكتاب ليس مفصولا عن الإنتاج الفكري الغربي المتعلق اليوم بمستقبل الصراع الكوني في ظل التطوّر الهائل الذي عرفته التكنولوجيات الرقمية والذكاء الاصطناعي. لقد بدأ المتحكّمون في الشبكات العالمية أو ما يُطلق عليه مجموعة الخمسة GAFAM (اختصارا لغوغل وأبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت)، ينتقلون إلى مرحلة “الميتافرس” metaverse (ما بعد الكونية)، أو تلك العوالم الافتراضية المعزَّزة التي ستكون بديلا لمواقع التواصل الاجتماعي الحالي، (ومنها تغيير فيسبوك لاسمه ليُصبح ميتا). وهذا الانتقال لا شك ستكون له آثاره على قيمنا وعقيدتنا وسلوكنا بشكل عامّ (أكثر مما تفعل اليوم مواقع التواصل الاجتماعي الكلاسيكية)، إذا لم نستبق ذلك بعمل ملائم، ولم نعمل على احتوائه والتقليل من آثاره على أجيال المستقبل.

كما أنّ هذا الكتاب ليس مفصولا عن التفكير المادي الجديد الذي بات يُروِّج منذ سنوات لفكرة تحوُّل البشر إلى آلهة بسبب التقدّم التكنولوجي كما فعل الكاتب العبري نوح هراريYuval Noah Harariفي مؤلفه “الإنسان الإله: تاريخ وجيز للمستقبل ” Homo Deus الذي اعتبر فيه أن “التاريخ بدأ، عندما اخترع الإنسان الآلهة، وسوف ينتهي عندما يُمْسي الإنسان إلها”، طارحا مفهوما أكثر خطورة من مفهوم “فوكو ياما” لنهاية التاريخ.

بمعنى أكثر اختصارا، أنه علينا اليوم، أن لا ننسى، في غمرة مشكلات التخلف التي نعيشها، التفكير في ذلك العالمالآخر “الميتافرس” الذي يتم إعدادُه من قبل غيرنا ليعيش فيه أبناؤنا. إنّ أسوأ سيناريو ينتظرنا، هو أن يتم إعادة تشكيل رؤوسهم بالكيفية التي يريدون، في الوقت الذي نعتقد اليوم أن ما ينقصهم فقط هو المكان الذي فيه يعيشون وما يشربون ويأكلون…

لقد كتب هنري كيسنجر كتابه عن المستقبل الذي ينتظر العالم وعمره اليوم 98 سنة (مواليد 27 ماي 1923).. أخشى أن يكونولعل من بيننا في هذه اللحظة من يقول: ما هذا الحديث؟.. مشكلتنا ليست مع المستقبل!

مقالات ذات صلة

المواد الساخنة