تخوض غالبية دول العالم معركة من أجل مواجهة التأثيرات السلبية لتغير المناخ من خلال التوسع في الاستثمارات الخضراء ومشروعات الطاقة النظيفة.
ولتفادي تبعات تغير المناخ، يُدفَع بتبني السياسات اللازمة للقضاء على انبعاثات الكربون العالمية بحلول عام 2050، وغالبًا يُرَكّز على الانبعاثات من مصادر محطات الكهرباء والمباني والسيارات، في حين يأتي أكثر من ثلث الانبعاثات من النقل الثقيل مثل الشاحنات والطائرات وصناعة المواد كثيفة استهلاك الطاقة مثل الصلب والأسمنت.
تنتج معظم القطاعات التي يصعب تخفيفها أشياء سنستمر في الحاجة إليها في عالم مقيد لانبعاثات الكربون، بما في ذلك الصلب والأسمنت والألومنيوم والمواد الكيميائية الصناعية والنقل الثقيل.
تحديات تغير المناخ تتطلب من العالم معالجة هذا القطاع لتحقيق الوصول إلى الحياد الكربوني، من خلال مجموعة التقنيات الجديدة والمواد وأساليب التصميم والتقنيات المالية ونماذج الأعمال، جنبًا إلى جنب مع السياسات الذكية والاستثمارات.
لا بد من التذكير أن البنية التحتية اللازمة لبناء اقتصاد منخفض الكربون لمواجهة تغير المناخ مصنوعة من الفولاذ والأسمنت، وعلى الرغم من انبعاثاتها وكثافة الطاقة؛ فإن صناعات الصلب والأسمنت والصناعات الكيماوية لتشغيل عملياتهم، من المتوقع أن تؤدي السياسة دورًا مهمًا لتحقيق إزالة الكربون من الصناعة، إلا أنها ستتطلب استثمارات رأسمالية كبيرة.
وسيتعين على الحكومات في إطار جهودها لمواجهة تبعات تغير المناخ، المساعدة في تكلفة الاستثمار، وخلق أسواق للطلب على المنتجات منخفضة الكربون.
وبعد قطاع الطاقة، تعد الصناعات الثقيلة ثاني أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون؛ حيث تمثل 27% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم، و4 مواد -الصلب والأسمنت والألومنيوم والكيماويات- مسؤولة عن 60% من انبعاثات الصناعة الحالية.
ويُعَد تحديد طرق قابلة للتطبيق لإدارة إزالة الكربون عن هذه القطاعات "التي يصعب تخفيفها" أمرًا بالغ الأهمية لعملية الانتقال، وتعد التكنولوجيا أداة لتغيير قواعد اللعبة.
يشير مصطلح "قطاع يصعب تخفيفه" إلى أي قطاع لا يكون الانتقال فيه بسيطًا؛ لأنه إما يفتقر إلى التكنولوجيا وإما تظل تكلفتها باهظة بالنسبة للعديد من القطاعات.
لذا فإن المطلوب لتحقيق الحياد الكربوني واضح نسبيًا من خلال الانتقال إلى موردي الطاقة الخالية من الكربون بنسبة 100%، خاصة أن صناعة الصلب تستخدم الفحم مصدرًا للحرارة وجزءًا من العملية الكيميائية لتحويل خام الحديد إلى عنصر الحديد.
ويتطلب القضاء على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من صناعة الصلب تغييرًا في العملية؛ إذ يمكن أن يؤدي استخدام الهيدروجين مصدرًا للحرارة وعامل الاختزال الكيميائي إلى القضاء على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أو يمكن أن يؤدي احتجاز الكربون إلى إزالتها.
ويمكن أيضًا إعادة تدوير الفولاذ دون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لكن الطلب على الصلب كبير جدًا بحيث لا يمكن تلبيته بالصلب المعاد تدويره وحده.
وقد يكون من الصعب خفض الانبعاثات في القطاعات ذات الاستهلاك العالي للطاقة، على سبيل المثال، تستخدم العديد من الصناعات الثقيلة، مثل قطاعات الصلب والأسمنت والألومنيوم، عمليات كثيفة الاستهلاك الحرارة.
كما أن بعض القطاعات، بما في ذلك المواد الكيميائية، تنتج أيضًا انبعاثات من مصادر غير طاقة - إنتاج الأمونيا، على سبيل المثال، يتطلب الغاز الطبيعي باعتباره موادّ وسيطة.
والعديد من هذه العمليات الصناعية أيضًا متكاملة ومعقدة للغاية؛ ما يجعل التحدي المتمثل في إيجاد مناهج جديدة خالية من الكربون معقدًا ومكلفًا، والتي -مع تكلفة باهظة بالفعل في تكرير هذه العمليات- يمكن أن تجعل العديد من الصناعات مترددة في السعي للتغيير.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن كهربة القطاعات الأخرى؛ لأنها تتطلب مصادر طاقة محلية عالية الكثافة مثل مصادر الوقود الأحفوري.
تصنع الصناعات الثقيلة منتجات حيوية نحتاج إليها لتلبية احتياجاتنا اليومية حياتنا الحديثة، ولكنها مسؤولة أيضًا عن 40% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية؛ فالصلب والأسمنت والمواد الكيميائية هي الصناعات الـ3 الأولى التي تنبعث منها الغازات، وهي من بين أكثر الصناعات صعوبة في إزالة الكربون، بسبب العوامل التقنية مثل الحاجة إلى حرارة عالية للغاية وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويُعد مقدمو الطاقة والبنية التحتية والمواد الكيميائية والأسمنت وقطاع الطاقة من أصعب القطاعات لإزالة الكربون، لكنها ضرورية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس لمواجهة تغير المناخ.
ويعد استخدام التكنولوجيا الخضراء عاملًا في تغيير قواعد اللعبة في انتقال الصناعات التي يصعب الحد منها؛ إذ أدت جائحة كورونا "كوفيد-19" إلى خفض الطلب العالمي على الطاقة في عام 2020، لكن وكالة الطاقة الدولية تشير إلى أن الطلب من المتوقع أن يرتفع بنسبة 4.6% في عام 2021، وهذا يزيد بنسبة 0.5% عن مستويات عام 2019.
يعد إزالة الكربون من قطاع الصناعات الثقيلة لمواجهة آثار التغير المناخي تحديًا؛ لأن انبعاثاته المباشرة هي منتجات ثانوية لتفاعلات كيميائية أو مرتبطة بعمليات تتطلب حرارة عالية جدًا أو وقودًا أحفوريًا باعتبارها مواد وسيطة.
ويعتمد القطاع عادة على الوقود الأحفوري مثل الفحم اللازم لعمليات التصنيع؛ ما يجعل تقليل استهلاك الوقود الأحفوري الصناعي أكثر صعوبة.
علاوة على ذلك، هناك عقبات أخرى أمام إزالة الكربون بسرعة، مثل العمر الطويل للمنشآت الصناعية (ربما أكثر من 30 عامًا) والتكلفة الاقتصادية الكبيرة للاستثمار الصناعي.
ومن التحديات أيضًا أن خفض محتوى الكربون في صناعة الصلب أو الأسمنت يؤثر في جودة مخرجات المواد، ومن ثم، إذا تغيرت خصائص المنتجات الصناعية كثيفة الكربون، فقد تحتاج المواصفات المرتبطة بقوانين ومعايير البناء إلى التغيير أيضًا، خاصة إذا كانت التغييرات تنطوي على تعديل في الخصائص الفيزيائية لمواد البناء الشائعة.
لهذا السبب يحتاج العالم إلى المضي قدمًا في تطوير التكنولوجيا والعمليات التي يمكنها إزالة الكربون من الانبعاثات المباشرة من الصناعات الثقيلة، وأيضًا، قد تفرض القيود الجغرافية مثل التوافر المحلي للطاقة المتجددة والمواد الأولية للطاقة والبنية التحتية وكذلك القدرة على تخزين الكربون.
سيتطلب تحفيز إزالة الكربون من الصناعة التعاون مع الصناعة وإشراك صانعي السياسات، وهناك عدة طرق يمكن للسياسة من خلالها تعبئة وتطوير ونشر العمليات والتقنيات الجديدة في الصناعات الثقيلة، بما في ذلك:
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
تابعوا اخر اخبار الطاقة عبر Google Newإشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.الوسوماتفاقية باريس احتجاز الكربون استهلاك الطاقة الاستثمارات الخضراء التغير المناخي الحياد الكربوني الطاقة النظيفة الوقود الأحفوري تسعير الكربون تغير المناخ خفض الانبعاثات