في الأيام القليلة الماضية تم الإعلان عن طرح منصة أنغامي -المنصة الرائدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عالم الموسيقى- للاكتتاب العام، من خلال اندماجها مع شركة الاستحواذ فيستاك (Vistas Media Acquisition Company (VMAC))، لتصبح أول شركة تقنية عربية تُطرح في بورصة نازداك في نيويورك. إذًا كيف نجحت رحلة الموسيقى لشركة أنغامي في الوصول إلى البورصة؟
عندما بدأت أنغامي عملها لم يكن هناك مقدمون لخدمة بث الموسيقى في المنطقة، إذ أغلبهم لم يكن قد وصل بعد. حولت الشركة هذه المسألة إلى فرصة، من خلال نشر ثقافة بث الموسيقى، وتعليم المؤسسات والمستخدمين هذا الأمر، وهو ما جعلها تضع وتثبت أقدامها كمنصة رائدة في هذا المجال.
يوجد أكثر من منافس لأنغامي، من بينهم بالطبع مقدمو الخدمة المشابهة مثل سبوتيفاي وديزر ويوتيوب. تواجه الشركة أيضًا منافسة شرسة مع القرصنة، إذ يلجأ الكثير من المستخدمين إلى الخدمات غير القانونية، وهو ما يجعل نسبة المستخدمين المحتملين لأنغامي تقل.
تمكنت أنغامي من التعامل مع هذا الأمر، فلم تقتصر خدماتها فقط على بث الموسيقى، لكنَّها قدَّمت الخدمات الأخرى مثل: البودكاست، الراديو المباشر، الحفلات الحصرية، بالتالي يمكِّنها هذا من جذب المستخدمين الذين يبحثون عن هذه الخدمات، والاستفادة من الانتشار الكبير لأنغامي في المنطقة.
تسعى الشركة أيضًا إلى تقديم خدماتها بما يتوافق مع المستخدمين وإمكانياتهم، فيمكن لمن لديهم اتصال محدود بالإنترنت الحصول على بث عالي الجودة، إضافة إلى خدمة عملاء تقدم حلولًا سريعة لمشكلات العملاء. تقدم الشركة جزءًا من خدماتها إلى المستخدمين مجانًا، في مقابل تحقيق الأرباح منهم عبر الإعلانات التي تظهر لهم أثناء استخدام الخدمة.
أما المشتركون في أنغامي بلس -التي يُدفَع مقابل الاشتراك بها- فيحصلون على مجموعة من المميزات الأخرى، من بينها تنزيل الأغاني وتشغيل الموسيقى في وضع عدم الاتصال، وكذلك عرض كلمات الأغاني، وغيرها من الخدمات، بدون ظهور إعلانات لهم أثناء ذلك، مما يمنحهم الحرية الكاملة في الاستخدام.
عندما بدأت أنغامي عملها كانت تسعى إلى جمع 2.2 مليون دولار لبدء العمل، لكنَّها لم تحصل على موافقات لذلك. على العكس، كانت أغلب الردود محبطة للشركة، إذ لم يكن الأمر مقنعًا بالنسبة للمستثمرين. أخيرًا، نجحت الشركة في تأمين استثمارها الأول بقيمة مليون دولار، وهي أقل من نصف القيمة التي استهدفتها للبدء.
على الرغم من ذلك تمكنت الشركة من إدارة أمورها بالشكل المناسب في هذه الفترة، من خلال التركيز على الأولويات، واعتماد الفريق على نفسه في أغلب الأمور، وهو ما منحهم الثقة في أدائهم، وجعلهم أكثر اقتناعًا بالمشروع، وقدرتهم على إدارته حتى مع نقص الإمكانيات.
في نفس الوقت تعلمت الشركة تركيز وتوجيه مجهودها نحو تحقيق الإيرادات. ربما هذا ما دفع الشركة إلى عدم الاستماع لطلبات المستثمرين بتنمية شريحة المستخدمين، واستمرارها في طريق تحقيق الإيرادات، حتى لا تواجه أي أزمة مالية.
منذ البداية نجحت الشركة في تأمين 7 جولات تمويلية، كانت آخرها هي التي تبنت الشركة من خلالها قرار الطرح في البورصة، إذ بلغت قيمة هذه الجولة المجمعة 40 مليون دولار: 30 من مؤسسة شعاع كابيتال الإماراتية، و10 من فيستاس ميديا كابيتال في سنغافورة (الشركة الأم لرعاية VMAC). من المتوقع لأنغامي امتلاك قرابة 142 مليون دولار نقدًا في ميزانيتها العمومية عند الإغلاق.
ستعمل الشركة المندمجة تحت اسم أنغامي، وستتداول تحت الرمز الجديد “ANGH”، ومن المتوقع الانتهاء من الصفقة في الربع الثاني من العام الحالي، وطرح الأسهم للتداول في شهر يونيو. يعود سبب الطرح في بورصة نازداك إلى أنَّها تتيح إدراج الشركات لديها من خلال أسلوب الاندماج Special Purpose Acquisition Company (SPAC).
شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة هي شركة لا تملك عمليات تجارية، ويكون الهدف منها هو زيادة رأس المال عند الطرح الأول، بهدف الاستحواذ على شركات قائمة حاليًّا، وتعرف أيضًا باسم “شركات الشيكات الفارغة”.
ازدادت شهرة هذه الشركات في السنوات الماضية، إذ نجحت في جذب المزيد من المستثمرين لل بها. في العام الماضي منذ بدء شهر أغسطس شُكلت أكثر من 50 شركة استحواذ ذات أغراض خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت في جمع حوالي 21.5 مليار دولار.
في حالتنا، فإنَّ شركة الاستحواذ هي فيستاك، والشركة القائمة هي أنغامي. وتشير القيمة المبدئية للمؤسسة المندمجة إلى 220 مليون دولار، وهو ما يعادل 2.5 ضعف الإيرادات المقدرة لأنغامي في عام 2022. لتصبح الشركة العربية الثانية التي تُدرج في بورصة نازداك بعد أرامكس، وشركة التقنية الأولى التي تقوم بذلك.
يعد الطرح في البورصة أحد خيارات التخارج (Exit) التي تلجأ إليها الشركات الناشئة، سواء بواسطة أصحاب الشركة أو المستثمرين. تختلف بالطبع الأسباب لكلٍّ منهما، لكن الرغبة واحدة؛ التنازل عن حصص الملكية المملوكة حاليًّا لصالح جهات أخرى.
توجد بعض الخيارات الإضافية للتخارج، مثل: الاستحواذ الكامل على الشركة بواسطة شركة أخرى، مثلما فعلت أمازون مع سوق، وكذلك أوبر مع كريم. يمكن للمستثمر أيضًا الخروج من خلال بيع حصصه لمستثمر أكبر، أو عبر استرداد أصحاب الشركة لهذه الحصص منه، ودفع القيمة المقدرة لها الآن.
تبدو خطوة أنغامي للطرح في البورصة واعدة لشركات التقنية الأخرى، لأنَّها تقدم لنا تجربة فريدة، وربما ملهمة للعديد من أصحاب الشركات، أنَّه بإمكانهم الوصول بأحلامهم إلى أبعد النقاط، وأنَّ الفكرة البسيطة المخطط لها جيدًا قد تكون هي الفرصة المثالية للنجاح.
آخر تحديث: 22/03/2021تطبيقاتشركات ناشئةموسيقى